الزمن الصعب

Views: 119

خليل الخوري 

ليس غريباً أن تنعكس الضائقة المالية على اللبنانيين غضباً ويأساً حتى الكفر! لقد نشأ اللبناني على نمط حياة معيّـن تفرّد به في هذه المنطقة من العالم. لدرجة أنّ مسؤولاً خليجياً قال لنا ذات مرة: يكفي أن ألقي نظرة الى الشارع أو الى «المول» أو الى المطعم (الخ…) حتى أعرف، على الفور، أن هذا أو ذاك الشخص لبناني. أعرفه من اللباس الذي يرتدي. وأعرفه من الطعام الذي يتناوله  وطريقته في ذلك (…) وختم قائلاً: إن هذا المظهر المميز يعود إلى نظامكم الحرّ في الشأنين المالي والفكري.

استعدتُ، هذه الأيام، كلام المسؤول الخليجي إزاء المرحلة القاسية التي وجد اللبنانيون أنفسهم غارقين فيها. صحيح أنّ نذر الأزمة كانت قد أخذت تطل برأسها منذ مدّة، إلاّ أنَّ المواطن اللبناني ما كان يتصوّر، ولو في أبشع الكوابيس وأكثرها رعباً أن يصل الى الحال التي تضيّق الخناق عليه، فتقتلعه من نمط حياة عاشه أجداده وآباؤه، كما عاشه هو… فإذا به يجد نفسه في دوّامة لا قعر لها: فهو عاجز عن أن يحصل على أموالٍ جناها بالجهد والكدّ والمثابرة، وكانت وسيلته الى المأكل والمشرب والملبس … وليس فقط هو عاجزٌ عن أن يحصل عليها، بل أيضاً يتعذر عليه الحصول على النذر اليسير منها. حتّى المئتي دولار مرة في الأسبوع، يجب أن يرابط أمام المصرف منذ الصباح الباكر ليتمكن من أن يحصل عليها بالاستعطاء… وإذا دنت الساعة من العاشرة صباحاً أو ما يتجاوزها بدقائق قيل له: لا مزيد. لقد أقفلنا حسابات  الدولار… «منشوف وجّك بكرا». فيتراجع خائباً بعد طويل انتظار!

وما أن يعود من البنك حتى يتلقى إنذاراً من المدرسة: سدّد (… وبالدولار) وإلاّ لا ترسل ولديك غداً. وتطالبه زوجته بلائحة مواد غذائية «عن قريبو» فيتحسّس جيبه ليجد نفسه عاجزاً عن تلبيتها. (www.newsoftwares.net) فيكتفي بما تيسّر، ويحرم ذاته من علبه السجائر بسبب مضاعفة ثمنها مقنعاً نفسه بأنّ «التدخين يقتل»، وكأنّه يكتشف هذه الحقيقة لأوّل مرة.

وعندما يغادر «السوبر ماركت» يلاحظ  أن «إبرة» البنزين هبطت الى الخطّ الأدنى. طبعاً ينسى، أو يتناسى، الدواء والكثير من متطلبات الحياة!

أليست هذه هي حال نحو نصف الشعب اللبناني الذي بات يعيش الفقر وتحت خطّه أيضاً؟! فالبطالة ضاربة أطنابها وازدادت منذ 17 تشرين بأرقام مخيفة بسبب إقفال آلاف المؤسسات وتوقفها وصرف الموظفين والعمّال بالجملة.

وأمّا ارتفاع سعر الدولار فيؤرق الليالي، خصوصاً أنّ أحداً لا يتقيد ليس بالسعر الرسمي فحسب (فهذا أضحى من الماضي) إنما أحدٌ لا يتقيد حتى بالسعر المرتفع أي الـ2000  ليرة للدولار الواحد، إذ إنّ الرقم المتداول في السوق الموازية تجاوزه بأشواط، وليس من مؤشّر على أنّ ثمة احتمالاً لوقف هذا الهيجان في الدولار…

إنها حقبة سوداء، وزمن الرداءة، والأيام التي أكثر من صعبة… وعلى المواطن «الكحيان» أن يتحمل ما لا طاقة للقادرين على تحمله.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *