الولادة

Views: 303

خليل الخوري

نقرأ في الغيب؟ أبداً! إننا نقرأ في الحاضر. إنّ ما يدور على الساحة اللبنانية أمرٌ جللٌ. إنها ساعات حاسمة يُكتب فيها مصير لبنان. فالتطورات والمستجدات تشير الى أن لبناناً ما، جديداً يقوم.

كيف سيكون هذا اللبنان؟ الجواب يستعصي بالقطع. هل ما يجري عندنا هو بشائر خير أو نذير شؤم؟! أيضاً ليس في المستطاع استخلاص جواب قاطع.

فقط يمكن الجزم بأنَّ لبنان الآتي لن يكون كما هو لبنان اليوم. أليس أنّ لبنان ما بعد  الحرب لم يأتِ كما لبنان الذي كان قبلها؟! مع فارق أساس وهو أنّ لبنان الذي سُمي الجمهورية الثانية قام على جثث مئتي ألف قتيل. أمّا لبنان  الآتي فالأمل أن يقوم من دون دماء. وهذه هي الحال حتى الآن. وعساها تستمر سلمياً.

أوّل بشائر التغيير أن الهيبة قد كسرت والهالة قد سقطت. فلم يعد الزمن للزعماء، الآلهة، أو أنصاف الآلهة على أقل تقدير.

فحتمية التطور (والتاريخ لا يعود الى الوراء) هو التغيير.

وأول نذر التغيير أنّ ما بقي (بعد الحرب) من هناء ورخاء لن يبقى في الآتي من المستقبل القريب. وبالرغم من الثروة النفطية والغازية الواعدة، فمن المؤكد أن نمط الحياة سيتغير في هذا البلد. خصوصاً أنّ الطبقة الوسطى التي كانت عنوان التوازن الوطني قد زالت منذ ثلاثة عقود، وليس ما يشي بإحتمال عودتها. والعكس صحيح. فالفقر الذي ضرب أطنابه واجتاح اللبنانيين ليس ما يشير الى إمكان تراجعه في العقدين المقبلين.

صحيح أنّ الانتفاضة التاريخية (تاريخية بالتأكيد لأن ما بعد 17 تشرين لن يكون كما قبلها) فقدت الكثير من زخمها، ولكنها مستمرة. وفي تقديرنا إنها حققت الكثير حتى لو توقفت هنا. وهي لم تتوقف. وكلّ ما يجري على الساحة من قرارات وتدابير (أياً كان الرأي فيها) إنما هو من نتائجها، والبعض يقول: من تداعياتها. ونحن لا نوافق هذا القول.

وقد يكون متسرعاً، بعض الشيء، إصدار الأحكام على القرارات ذات الطابع المالي، سواء أكانت تلك التي اتخذتها المصارف أم تلك التي اتخذتها السلطة، ستنقل لبنان من حالٍ الى حال. وفي تقديرنا أن زمن تدفق الودائع على المصارف اللبنانية، من الخارج، سيضمر كثيراً، مع الأسف.

وبالنسبة الى سعر الدولار المنتفخ، الذي وصل، أمس، الى 2700 ليرة لبنانية ماضٍ في الارتفاع ليتجاوز الدولار الواحد عتبة الــ3000 ليرة. وحتى ولو استقرت الأمور في البلد فيستحيل أن يعود الدولار الى 1500 ليرة، هذا حلم وردي تبدّد لتقوم مقامه الكوابيس.

وبالرغم من عدم قدرتنا على الجزم، ولا حتى مجرّد التقدير كيف سيكون لبنان الآتي، فإننا سنظل مقيمين على الأمل والرجاء: الأمل بهذا الشعب والرجاء بأن الله لن يترك «وقفه» حتى ولو ترك الكثيرون وطنهم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *