هي الدنيا (3 /5)

د. جان توما

الملاحظ في الأمثال الشعبية، أنّ الحذر يطال كلّ مفصل من مفاصل حياة كلّ منهما في يومياتهما وتفاصيلها، كما في قولهم: ” الله ينجينا من تلج نيسان ومن كيد النسوان”، ولكن ما علاقة شهر نيسان بكيد النسوان؟ هذا يعود إلى قولهم: ” نيسان شهر النسوان”، والسبب أنّ المرأة  تكون قائدة وعاملة لها صدر البيت في شهر نيسان، لأنّه شهر عملها وإنتاجها في استخراج الحرير، وتأمين المداخيل المالية للبيت.

من هنا وزّعت “الحما” الأشهر على من تحبّ: ” شمس شباط لكنتي، وشمس آذار لبنتي، وشمس نيسان لي ولشيبتي”، شباط شمسه بتضرّ، آذار شمسه بتسرّ، ونيسان شمسه دافئة، وفي الوقت نفسه تجمع فيه المرأة من عملها الاقتصادي في الحرير ما يقيها في شيبتها من مصاعب الحياة. في اقتصاد الحرير المبارك هذا الذي تعمل فيه المرأة، يقول الروائي حنا مينة في روايتِه “وحش الفَقرِ”: “الموسم ذلك العام، كان آخر مواسمِ الحريرِ في البلدةِ. ” الحرير الهندي خرب بيوت الناسِ”، قال الوالد يومها للأم: ماتت الدودة المباركة، ماتت الصنعة. متْنَا نحن أيضًا. يرحمنَا الله”.

هذا الحذر دخل اليوم أيضًا من خلال لمس الخلوي للرجل أو للمرأة، وقد كثر تأليف الطّرائف عن هذا الحذر الدائم من لمس الجهاز الخلوي لغيرك، خاصة بين الرجل والمرأة، في غياب ظهور مثل شعبي يؤرّخ لهذه الظاهرة التكنولوجيّة الجديدة التي زادت الحذر حذرًا.

كأنَّ الخلوي صار الإنسان نفسه، وبالتالي فإنَّ أي تطفّل على محتوياته، هو دخول إلى تفاصيل الشخص ذاته، وهذا ما زال من المحرّمات إلى تاريخه. هذا التدخّل في الخصوصيات يجعل الرجل يجنح نحو العزلة وعدم الزواج، يشجّعه على ذلك الانعزال الذي يعيشه ويملأ حياته حضورًا افتراضيًّا في حياة الناس، إضافة إلى أنّ المجتمع الاستهلاكي يوصل له كلّ شي إلى بيته وفق برامج معدّة سلفًا ما يجعله مكتفيا بنفسه، وفي الوقت نفسه متّصلاُ بالشبكة العنكبوتية التي تخنقه فيما يعتبر نفسه حرًّا. هذا يدفعه إلى القول: ” مسمار بالحيط ولا مرا بالبيت”، أي حضور جسدي وغياب ذهني، كما حال” الانترناتيون” اليوم.

واضحة الصور التي يحتملها هذا المثل سواء من حيث ذكوريّة المسمار، أو من حركيّة المرأة في البيت وزعامتها، شئنا أم أبينا، إن لم تكن هي البيت، وخوف الرجل الدائم والواضح في المثل من الإلغاء المرتقب لحضوره في حضرة مانحة الحياة، وهو لا يستطيع أن يجاريها في هذه القدرة.