هي الدنيا (5/5)

Views: 455

د. جان توما

تطرح حيوية الأمثال عن المرأة سؤالا أساسيًّا: هل حفظت الأمثال الشعبيةَ الدور الحرفي الاقتصادي كما في المثلِ القائل: ” الإبرة غلبت الحايك“، وهو مديح  في سيدة المنـزل التي تحسِن رتق ثياب أولادها وخياطَتها فتوفّر مال زوجها وتستغني عن الحايك.

 بالتالي هل أُلحِقَت مهنة المرأة باسم عائلتها؟ إذ ” لم يكن للمرأة من عمل، خارج ما نسميه عالَمها النسائي الخاص، ونعني العائلة والمنزل. حتى إنّ مفهوم العمل النسائي الخارجي كوسيلةٍ للكسب المعيشي كان مرفوضًا اجتماعيًا، فالعمل وإعالة البيت اقتصاديًا كانا من مهامِ الرجالِ فقط”.

من أهمّ الحرف التي اشتغلت بها المرأة : الحياكة، العقادة، التقشيش، تحضير بعضِ الأطعمة، الخياطة والتطريز… من هذه المهن الشعبية المثبتة في الأمثال الشعبية  نفسّر أسماء عائلات ظهرت: الداية، خياطة، خاروطة، سميرة، حليمة، كريمة، الوزة، تركية، صابونة، عكرة…… وهي ألقاب عوائل بصيغة المؤنث؟! وقد ظهر هذا واضحًا في العصور العربية، كما في بخلاء الجاحظ، في روايته حول بخلِ مريم “الصناع” رغم قلّة تعريف المرء بمهنة النساء. 

لا بدَّ من التوقّف عند المعاني الاجتماعية التي حملتها الأمثال ولو كانت تسير على عقارب الزّمن. لقد عكست شخصية المرأة عادات الناس وتقاليدها، في موقفهم من كلّ المظاهر التي واجهتهم في مسرى حياتهم اليومية في مختلف أوجهها ما ادّى إلى استدامة المثل “الزمكاني”، كما من الناحية الحضاريّة حيث هو مرآة صادقة لحضارة الشعب، وعاداته وتقاليده، وأخلاقه من خلال أمثلته. أمّا الوظيفة التربويّة فواضحة بما تتضمنه من حِكَم، هي خلاصة التجربة الإنسانيّة للتهذيب الاجتماعي والتوعية الأخلاقيّة، خاصة وأنّ الأمثال تربط ماضي الشعب بحاضره، إذ إنّها جزء من التراث، وجزء من التاريخ.

إلى هذا تحوّلت الأمثال من خلال التجربة والبرهان إلى نُظم ودساتير شعبية، وكأنَّ المثل هو الحَكَم، وفصل الخطاب فيما يتناقشون فيه. يقول مارون عبود: ” كُتُبُ حقوق القرويّ تحت لسانه، وهو لا يحتاج إلى مراجعة المجلات والدساتير ليصدر أحكامه. فهذه الأمثال أحكام تتناول جميع الشؤون الحياتية”، فكيف بالمرأة/ الحياة؟ وهي الدنيا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *