العودة إلى البيت

خليل الخوري  

بقدر ما حمل فيروس كورونا من آلام ودموع جرّاء المآسي الإنسانية والخسائر المادية بآلاف مليارات الدولارات على امتداد الـ170 دولة التي «استضافته» رسمياً، حتى الآن، والعدد إلى ارتفاع، بقدر ما تحوّل إلى «النجم الأول» على مواقع التواصل الاجتماعي كافةً. وربّما النجم الأوحد. فلا حديث إلا ويستأثر به هذا الفيروس، ولا «تغريدة» إلا حوله، ولا طُرفة إلا على «نشاطه» الهائل.

ومن خلال متابعتي مجريات هذا الوباء، نجّانا الله من شرّه، تبدّت لي طبائعُ وأخلاقٌ وقيمٌ كثيرة. كما تكشّفت وقائع مذهلة في السفالة والانحطاط واللاإنسانية.

كانت هذه النقطة بالذات مدار حوار هاتفيّ بيني وبين الأديبة السعودية المميزة السيدة مها النهدي. إلا أن الحديث لم يكن كالعادة مُركّزاً على آخر نتاجها الأدبي ولا على أوضاع الصحافة والفكر في لبنان، إنما كان محصوراً، هذه المرة، بالكورونا، هذا الوحش غير المرئي بالعين المجردة الذي يطارد الناس، فيضرب من دون شفقة أو رحمة. وقد اكتشفنا أننا نلتزم البيت عملاً بنصيحة الدوائر الصحية والسلطات المختصة في لبنان والمملكة، إسوةً بمعظم بلدان العالم.

السيدة مها النهدي لها رأي في هذا الفيروس، رأيت ثمّة فائدةً أن أنقله الى القارئ. فكيف تنظر هذه الكاتبة السعودية الى الحجر المنزلي في وقت رُفع الكثير من «الحجر» المعنوي عن المرأة السعودية من خلال التطورات الداخلية المهمة والمستجدات التي قادها وليّ العهد ومكّنت المرأة من الكثير من حقوقٍ كانت تفتقدها من قبل؟

هذه السيدة قالت لي: «بالرغم من الصراعات النفسية كلّها التي يعيشها العالم عامةً والسعودية خصوصاً، وبالرغم من المخاوف والاحتياطات وارتفاع نسب الوفيات بسبب وباء كورونا، سريع الانتشار، فإن قرار الحجر المنزلي أعاد الأُسَر والعائلات لتجتمع فيما كانت قد افتقدت ذلك تحت وطأة تسارع الحياة والإنشغال بمواقع التواصل الاجتماعي دون العودة الى التواصل الحقيقي والمباشر مع من نحب. وهذا لم يؤثر فقط على الترابط الذي حلّ بحلول هذا الوباء، إنما أثّر أيضاً على مستوى الفرد ووعيه… وفي ما يبدو فإن رسالة هذا الفيروس لم تكن فقط الموت، بل حب الحياة ولمّ الشمل… نعم سنبقى في بيوتنا العامرة بالحبّ رغم الموت».

أعجبتني هذه النظرة الإيجابية المنبثقة من رحم المأساة وتمنيت للكاتبة المميزة التي أحبّت كثيراً ألّا تَلقى الجحود وقد عرفناها كتلة من الكرامة والأخلاق.