الكورونا: بين الهلَع والدلَع

Views: 304

الوزير السابق جوزف الهاشم

      مِنْ هالِك إلى مالِك إلى الكورونا ، محاولاتُ اغتيالٍ تتوالى مِـنْ داخلٍ ومن خارج … وتتسرَّب إلينا الكورونا ليقتل بها بعضُنا بعضَنا الآخر ، وتأبى هي إلاّ أنْ تحـدِّد لنا أفضليةَ الموت .

      في حياتنا المأتمية لم نكنْ في حاجةٍ إلى هذا الشبح الأسود ، لقد سبَـق الفضل ، وإنَّ ما نعانيه على تراكُمهِ وفواجعه ومآسيه ، لو سقط على الجبل انْشطر ، ولو أصاب الشامخَ من الممالك تدمَّـر .

      عندنا ، تتساقط المصائب فتتشامخ العروش …

      وتتـفشَّى الأوبئة فنتـقاتل على انتقال العدوى …

      الكورونا عند غيرنا تحمل هويّـة وبائيـة …

      والكورونا عندنا تحمل هويّـاتٍ إقليمية ودولية ومذهبية وتفرض علينا التجنُّس …

      الكورونا عند غيرنا تخضع للمعالجات الطبيّـة والوقائية والتجارب السريرية وتحاليل المختبرات …

      والكورونا عندنا تخضع للمختبرات السياسية والحزبية والدينية ، فتصادرها القيادات وتتبارى حول إعلان العقاقيـر.

      بعضُ القياديّـين عندنا متخصّصون في الشؤون الجراحية ، يمارسون الإختبارات على حياتنا … يمـوت على أيديهم المريض ويتقاضون بدلَ الأتعاب.

      دول العالم ، اعتبرت الوباء شبيهاً بحربٍ عالمية رهيبـة ، وفي الحروب يلجأ الناس إلى الملاجيء …

      والدولة عندنا احتقرت الهلَع ، ولم تستـفِقْ من الدلَع حتّـى : عـرفَ الوباءُ مكانَهُ فتدلّـعَ ..

      والمثل الصيني هو الذي يقول : “إنّ للدلال ضحايا أكثر من ضحايا السيوف .”

      هذه ، التي إسمها الحرب ، تبـدأ في دول العالم ثـمّ تنتهي …

عندنا ، تبدأ الحرب وتستمرّ الحرب ، والسلم في لبنان حرب ، والمسؤولون حربيّون ـ ونحن في الحرب نموت ، وفي السلم نموت ، ومن لم يـمت بالكورونا مات بغيرها ، ومن لم يـمُتْ بالسيف مات بغيره.

      الكورونات التي سبَّبـتها أوبئـةُ السلطة لا تنـفع معها العقاقير واللقاحات ، لقد هـزّتْ كيان الوطن وزعزعت أركان الدولة وحطّمت آمال الشعب.

      ولكن ، هذا اللبنان الذي أفلسوه من المال ، لم يُعلن إفلاسه من الرجال ، ولَـنْ يفشل في إعلان الحرب على الحرب وإعلان الموت على الموت.

      في الإنتظار ، ونحن نترقّـب ما اتخذتـه هذه الحكومة أخيراً في مجال التعبئة العامة ، وما قد تـتخذه في مجال تعبئة الجيوب بالأموال العامة ، لا بـدّ من أن نقدر الحرارة الناشطة التي تبذلها الحكومة في مواجهة هذا الـداء ، ونرصُد ما تجتهد فيه من تحرّكٍ وحركة ، فإنْ لم يكن في الحركة بركة ، فإنّ الحراك لن يبقى في البيت.

***

(*)  جريدة الجمهورية  20/ 3/ 2020   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *