زمن الكورونا…

Views: 499

لونا قصير

انتشر الخبر، انها حقيقة، نعم.. الموت يدق على الأبواب.. أغلق  الجميع أبواب منازلهم واقتصرت الأحاديث على الهواتف، لم يعد هناك الكثير من الأحداث الجديدة التي بإمكانها أن تبعث الأمل في النفوس. الهمُ واحد، والخبر الوحيد الذي ينتظره العالم هو متى ينتهي هذا الكابوس.. 

عند الصباح، كالعادة، سمعتْ صوتا قويا، استيقظتْ ووجدت حمامة تنقر على نافذة غرفتها، فأدركتْ أنها من نوع الحمام البري، لقوة صوت هديلها. ثوان واختفت. شعرت بدقات قلبها تتزايد من الخوف، هل ظهور هذا الطير المفاجئ علامة خير  أم شؤم؟!.. 

حضرت فنجان قهوتها، من دون أن تنسى أن  تتناول ملعقة عسل كبيرة فاكهة الموز، وأخيرا كوبًا من  المياء بعد أن أضافت ملعقة من خل التفاح.. لقد قرأت عنها، وكلها تقوي جهاز المناعة، هذا النظام الغذائي الجديد سببه الكورونا. 

وزير الصحة يعلن عن اكتشاف أول اصابة بالكورونا في لبنان

 

هستيريا وهلع

 أتمت واجباتها الوقائية وأصبحت محصنة منه نفسيا، إن خطر على بال هذا اللعين أن يدق بابها سيجده مغلقا.. حان الآن موعد  احتساء قهوتها بهدوء، فتحت جهازها الإلكتروني وبدأت بقراءة آخر المستجدات والأخبار التي فاتتها. الكورونا تتصدر الأخبار، العالم يعيش حالة هلع، وهستيريا، البعض منهم ينشر فيديوهات درامية ساخرة والبعض الآخر يستفيض بمعلومات افتراضية، أو منقولة من بعض الصفحات، أو من محطات  إخبارية، لكن ما لفت نظرها أن الجميع أصبحوا أطباء، ووجدوا وصفات جديدة ضد الفيروس، كالثوم، البصل، الخل، العسل، العرق البلدي وغيرها. انها ليست كما اعتقد البعض، وليست شافية كما ذكروا، لكنها تقوي جهاز المناعة. المضحك أن الجميع يصدق وفي اليوم التالي يتهافتون على شرائها، لا تهمهم الأسعار وإن تضاعفت. وتفرغ المحلات التجارية من المواد الغذائية..  هرج ومرج على شبكة التواصل الإجتماعي، فكل من يقرأ أو يسمع عليه أن يحكم عقله، كي لا ينهار، ويفرق بين الأخبار الصائبة والخاطئة..

 قررت أن تحكمْ عقلها ، لكنها تريد أن تصدق كل ما تسمعه، ومن ثم تقول بينها وبين نفسها: أين الضرر طالما كل الوصفات طبيعية؟..  انتقلت إلى الأعمال المنزلية، وملأت الدلو بكل العقاقير المطهرة، لتعقيم كل زاوية من زوايا المنزل، ثم خرجت إلى الشرفة.. أصابها الذهول عندما رأت جميع النساء منهمكات بالتنظيف ونشر الغسيل، فالبعض أخرجن الأثاث لتعقيمه تحت أشعة الشمس.. جارتها تبدو مرهقة، لا تدري إن كان السبب من قلة النوم أم من رائحة سائل التنظيف الذي تستعمله، فهو يقطع الأنفاس.. أما جارتها التي تقطن في الطابق الأول، فلا تنفك عن إشعال البخور، فهي تريد أن  تعقم المنطقة باكملها. لم تتذمر من تصرفاتها، فهي تحب رائحته الطيبة، وعند أول مناسبة، سألتها ما فائدة البخور، فقالت لها بكل ثقة أنه يطرد الوباء، ويبعد الشر والأشرار. ابتسمت لها وأكملت طريقها..

 

  بعد أن أنهت تنظيف جميع الغرف، فتحت الباب لتضع مواد معقمة أمام  المدخل الخارجي. وجدت حذاء كبيرا أمام باب جارتها في الشقة المقابلة، فهذه المرة الأولى التي تضع حذاء أمام باب دارها، وهذه العادات ليست رائجة في بلادها، كما في الهند وبلاد أخرى.  لم يكن من الصعب أن تحزر، أن جارتها خائفة من تسرب بعض الفيروسات الملتصقة بنعل حذاء زوجها، فيدخلها معه عندما يعود من عمله إلى عقر دارهما. أعجبتها الفكرة، انها محقة، ستفعل بالمثل، لأنها قرأت أن الفيروس ثقيل ويعيش لفترات طويلة على جميع الأسطح…

 

الاتصال بطبيب القلب

يجب أن تتصل بالطبيب، وتخبره عن حالتها، فمنذ فترة  وهي تعاني من دقات قلب سريعة، هل هي نتيجة القلق الذي تعيشه، أم أن  الفيروس تسلل وبدأ يدغدغ أضلعها.. لا.. لا.. مستحيل، دقات القلب السريعة ليست على لائحة عوارض الكورونا، أخذت نفسا عميقا، وعدت عشرين ثانية بدل العشر… أعادت الكرة ثلاث مرات، لم تشعر بأي ضيق في الصدر، الحمد لله كل شيء سليم حتى الآن، لكنها رغم ذلك ستتصل به لاحقا وتسأله. حان موعد الذهاب  لشراء بعض الحاجيات، يا إلهي.. لقد نسيت زجاجة المعقم، صعدت من جديد، أخذتها ووضعتها في حقيبتها..

 الشوارع شبه مقفهرة، بعض المارة يضعون الأقنعة على وجوههم.. يجب عليها أن تشتري قناعا مثلهم، لكنها سمعت أنه لا يفيد، لا بأس ستكتم أنفاسها ولن تتكلم مع أحد، بحركة لا ارادية أغلقت نوافذ المركبة، شعرت بأمان مع أنها تعلم أنه لا ينتشر في الهواء، لكن الوقاية ضرورية، ربما غدا يكتشفون أنه فعلا يتنقل  في الهواء.. من يدري؟ 

عندما وصلت إلى المتجر، وجدت رجلا عند المدخل، يناول كل من يريد أن يتبضع، قفازات والقليل من سائل لتعقيم اليدين، ابتسمت له، ووضعت منه على يديها، وعدت عشرين ثانية بحسب التعليمات، ومن ثم دخلت ووراحت تدور وهي تجر العربة، نسيت ماذا تريد أن تبتاع. وجوه صفراء اللون، لا حياة فيها، يجرون عرباتهم بعصبية  ويملأونها بالمواد الغذائية والمعقمات.  

الجميع في حالة هلع، يتهافتون إلى شراء كل ما يجدونه أمامهم  وإن صادف ووقف أحدهم بالقرب منهم يرمقونهه بنظرات مخيفة، ويبتعدون عنه بسرعة.. ابتاعت المزيد من العسل وفاكهة الموز والخل، وبعض المعقمات، وعندما وصلت إلى الصندوق للمحاسبة، ركض العامل ليحمل لها الأغراض، أومأت بيدها له، ليفهم أنها لا تريد مساعدته. 

 

العودة إلى المنزل

قبل العودة إلى المنزل قررت أن تعرج إلى الصيدلية، تفاجأت عندما دخلت، حتى جورج صاحب الصيدلية، وضع زجاجا عازلا بينه وبين الزبائن، فلم تستطع أن تمازحه كالعادة، كتبت له ما تريد وناولته الورقة، وإذا برجل يدخل والغضب يبدو على وجهه، فهو عل عجلة ولا يريد ان ينتظر دوره، وعندما حاول أن يتخطى الصف الطويل رفض جورج، فبدأ يصرخ بصوت عال، وخرج وهو يردد كلاما نابيا.. لم يجبه أحد،  انتهت من شراء الأدوية وصعدت الى المركبة، تناولت المعقم من حقيبتها وفركت يديها والاكياس والمفاتيح، والمقود.. انطلقت وبالها مرتاح، لقد قضت على أي فيروس ممكن أن يكون متغلغلا في الأكياس..

 أخيرا وصلت إلى المنزل، بدلت ملابسها ووضعتها بسرعة في آلة الغسيل،  يجب أن تعقمها، ومن ثم انهمكت بتعقيم الخضار، والمعلبات. وضعت الخضار في وعاء كبير مع القليل من الخل، والمعلبات تنظفها بقطعة قماش مبللة بسائل مطهر، واخيرا أصبحت جاهزة لتضعها في مكانها. 

حان الوقت، لتستمع إلى آخر التطورات المتعلقة بالفيروس.. تتساءل هل ازداد عدد الوفيات؟ تشغِّل التلفاز، مشادات كلامية  بين الباحثين، الآراء مختلفة، والجميع يتكلم بالوقت نفسه، البعض يقول أنه بيولوجي والبعض الآخر ينفي، شعرت بقشعريرة واشمئزاز، فالوباء لا يزال ينتشر..  المطلوب إيجاد اللقاح المناسب!! بلدان جديدة أضيفت على لائحة البلدان الموبؤة، والسلطات تحذر الناس من الخروج إلا في الحالات الضرورية، فالمستشفيات امتلأت بالمصابين، وإمكانية استقبال الجميع باتت مستحيلة، آلات الإنعاش التي لديهم ليست كافية ولذلك قرروا انقاذ حياة الشباب لأن الأفضلية لهم، فهم المستقبل….

 الهلع يزداد، تتنقل بين المحطات، الخبر الرئيس الذي يسيطر على الكرة الأرضيه هو الكورونا، وكأن الحروب والمجاعة والفقر والحالة الإقتصادية لم تعد شغلهم الشاغل حالياً..  جميع البلدان اتفقوا على ضرورة البقاء في المنازل.. فجأة يسود الهدوء، لم تعد تسمع إلا صوت الرياح، حتى الطقس يبدو متقلبا بين ربيع خجول وشتاء قاس… جلست على الكنبة، وراحت تفكر بأولادها في الخارج!! ماذا يفعلون؟! وبالمرضى، ومن ليس لهم مأوى، ومن لديهم أطفال والحوامل والفقراء، والذين لا معيل لهم!! ما مصيرهم؟ 

 

الكورونا في الحي!!!

اجتمع شمل العائلة في المنازل، فالمدارس والجامعات والشركات كلها مقفلة.. الرجال والنساء يعملون من منازلهم. الضغوطات كبيرة، فالخروج ممنوع إلا للتبضع، ضجيج الأطفال في المنزل لا يحتمل، زوجها أصبح يهتم بتحضير الغداء ويفرض رأيه، بينما  هو يقشر كوز الثوم، فكل يوم يتناول “حصا” عند الصباح، وطيلة النهار، رائحة الثوم تفوح في المنزل، فتعلو الصرخات بينهما، وتطلب زوجته منه أن يضع القليل من الخل عوضا عن الثوم لأن رائحته لا تطاق.. ينقطع حبل افكارها، عند سماع صوت صفارات الاسعاف، تركض إلى الشرفة، تسأل جارتها من المريض؟ بسرعة تؤكد لها أن سيدة في العمارة المقابلة مصابة بالكورونا؟  صرخت قائلة لها: يا إلهي الكورونا في الحي!!! دخلت بسرعة وأغلقت النوافذ، ليلتها لم تغفو من كثرة الكوابيس. 

في اليوم التالي علمت أن المرأة التي نقلها الصليب الأحمر إلى المستشفى، تعاني من مشاكل صحية منذ سنوات عديدة.. وعندما أخبرت جارتها لكي لا تصاب بالخوف، ابتسمت لها قائلة:

–  أنهم يكذبون، عائلتها لا تريد أن يعلم أحد أنها اصيبت بهذا الفيروس، وأخذوا كل أفراد عائلتها إلى الحجر الصحي.

 فاجابتها: 

– لا..  انها إشاعات واجهشت بالبكاء.. فسألتها:

– لماذا تبكين هل أنت خائفة؟

–  لا.. لكنني خائفة على ابنتي، لانها تطوعت في الصليب الأحمر من أجل انقاذ مرضى الكورونا.. 

دخلت من جديد،  إلى المنزل والألم  يعتصر معدتها، ابنها الوحيد خرج عند صديقه، وعندما  طلبت منه عدم الخروج، خوفا من أن يصاب بالفيروس، رد عليها بغضب قائلا: 

– سنموت  في الحالتين..

 لكنها تعرفه، فهو شاب ناضج، ربما اشتاق لحبيبته، سيتنزه قليلا حول العمارة ويعود.. 

 

يمامة أم بومة؟

 راحت تفكر من جديد باليمامة التي جاءت اليوم ونقرت على نافذتها، ربما ليست يمامة، بل بومة، فهي ليست خبيرة طيور، كل ما تتذكره أن صوتها مزعج جدا… ما سبب زيارتها؟ فجأة تسمع من جديد صراخ في الشارع، تركض الى الشرفة، مجموعة من الشبان يتشاجرون، ثوان وحضر الجيش، وأخذهم، لم يعرف أحد سبب هذا  الشجار، لكن الأهم أن جارتها لم تكن موجودة في المنزل وإلا كانت قالت لها، أنهم مصابون بالفيروس.. 

ساد الهدوء، تسمع اصوات الآذان، وأجراس الكنائس، الصلوات تعلو في كل مكان.. أما في البلدان الأخرى البعض ينشدون النشيد الوطني، والبعض الآخر يرفع صوت موسيقى صاخبة، فيخرج الجميع على الشرفات ويرقصون  رقصات هلع في سجن الحياة الكبير..

كل شيء توقف، إلا الكرة الأرضية، تدور الآن بارتياح، جميع الأنشطة توقفت، المعامل والمركبات والمختبرات النووية، والمدارس، حتى البشر، تدور فرحة فهي بحاجة إلى استراحة قبل أن تتفجر من وباء الاكترونيات والكهربائيات والاقمار الإصطناعية والدخان والتلوث بسبب البشر..  

فجأة يرن جهازها الخلوي ، بسرعة تخرجه من جيبها، أنها ابنتها تتصل بها من الخارج وتبكي، تخبرها أنها  تشعر بعوارض الكورونا، ولا تتجرأ أن تذهب إلى المستشفى، لأن الوباء منتشر.. بعد أن سمعتها، طمأنتها فهي لا تشكو من أي علة، فالخوف لن يفيدها بل يخفف من مناعة جسدها.. يجب عليها اتباع الإرشادات المطلوبة فقط، والبقاء في المنزل وعليها  أن تتوقف عن سماع النشرات الإخبارية طيلة النهار. هدأت وكما توقعت، انشغلت بأمور أخرى، وبدأت ترسم لوحات جميلة جدا وترسلها عبر “الواتس”.. اللون الأحمر كان الأبرز في كل رسوماتها، ونجحت في إيجاد وسيلة بناءة تصب بها كل قلقها وخوفها، فأبدعت..

 كم سيطول سجن الخوف والإنتظار؟ هل فعلا سينتهي العالم؟ مستحيل ليس الآن، يجب ان ينقذوا البشرية، أم هناك نظام جديد في العالم!!

 غفت من شدة التفكير والتعب ونسيت أن تعد طعام الغداء.. 

ويبقى السؤال إن شفي العالم من فيروس كورونا، ما مدى تأثيره على الحالة النفسية، هل  الصدمات العاطفية أشد فتكا من الفيروس نفسه؟ 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *