هل من تجارة أرواح في السباق لاكتشاف دواء لكورونا؟!…جدل في الأوساط العلمية الفرنسية حول علاج الفيروس قد تكون خلفياته “مادية”

Views: 784

د. طلال حمود

(طبيب قلب وشرايين – مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود)

تشهد الأوساط العلميّة في فرنسا نقاشاً حاداً حول الأعراض النّاتجة عن الالتهاب بواسطة فيروس الكورونا وكيفية علاجها، وظهر إلى العلن عبر مُختلف وسائل الإعلام، نقاش حاد بين عدد كبير من الخبراء الفرنسيين والدوليين حول كيفية التعاطي مع المرضى المصابين بهذا المرض، مما وضع الرأي العام في حيرة من أمره أمام هذا الأنقسام الكبير في الآراء بين الأطباء، خاصة بعدما واجهت مُعظم دول العالم حتى المُتطوّرة منها مصاعب طبيّة واجتماعية واقتصادية نتيجةً لهذه الجائحة غير المسبوقة في التاريخ الحديث.

علماً أن التوصل إلى لقاح يقي أبناء البشر منه، أمر مستبعد قبل عام على الأقل، وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية (يوم الأحد). واللافت في الأمر أن البشرية جمعاء في حالة شلل أو إرباك كامل، مع استمرار تزايد عدد الحالات المُصابة بفيروس كوفيد 19 أو (كورونا الجديد)، الذي تخطى عدد المصابين به، إلى تاريخ كتابة هذا المقال، عتبة الـ 336 ألف إصابة منتشرين في 174 دولة في العالم .

والعالم اليوم في سباق مع الزمن لوقف عدّاد الموت جرّاء هذا الوباء، الذي حصد حتى الساعة أرواح نحو 14711 شخصًا منذ ظهوره في كانون الأول الماضي. والعدد مُرشّح طبعاً للارتفاع بشكلٍ صاروخي في بعض الدول، كما حدث ويحدث في إيطاليا ( 6077 حالة وفيات لغاية الاثنين 23 آذار)، أكثر بكثير من عدد الوفيات في الصين ) واسبانيا ( 2182 حالة أرقام الأحد 22 آذار).

في حين سجّلت السلطات الفرنسية حتى الساعة 16018 حالة مؤكّدة، حوالي 50% منها تحت عمر ال 65 سنة مع تسجيل 664 حالة وفيات، 7240 حالة استدعت الدخول إلى المستشفيات، من ضمنها 1746 مريضًا استدعت حالتهم الدخول إلى أقسام العناية الفائقة مع تسجيل 186 حالة وفاة الاثنين 23 آذار.

القلق والترقّب مُستمران على كل المستويات، لأن الأعداد في ازدياد مُستمر كل ساعة تقريباً في اكثر من ٢١ منطقة فرنسية، اهمها باريس وضواحيها ومنطقة شمال شرق فرنسا وجزيرة كورسيكا.

هذه التطورات الدراماتيكية دفعت السلطات الصحية الفرنسية ومعظم شركات تطوير الأدوية إلى الدخول في سباق كبير مع الزمن لتطوير أفضل وأسرع وأقوى العلاجات المُمكنة لهذا الفيروس والتعقيدات الخطيرة الناتجة عنه.

ومع إعلان البروفسور “ديديه راؤول” الباحث المعروف في علم الأوبئة والأمراض الفيروسية ومدير المعهد الجامعي المتوسطي لمكافحة الامراض المعدية في مدينة مرسيليا الفرنسية، عن نجاح تجربته التي قام بها على 24 مريضًا، يقول منتقدوه إن حالات المصابين بفيروس كورونا لم تكن حرجة بل متوسطة أو حتى خفيفة الخطورة، مما أدى إلى جدل كبير في الأوساط العلميّة الفرنسيّة حول التجارب التي قام بها راؤول في مستشفيات مدينة مارسيليا.

فقد أعلن أنه أجرى تجارب علميّة ناجحة على 24 حالة مرضيّة تأكّد من خلالها أن دواء هيدروكسي كلوروكين (plaquenil) وأزيثروميسين (مضاد حيوي) معاً فعّالان جداً في مُراقبة وتخفيف الأعراض الناتجة عن هذا الفيروس. وقد أظهروا جميعاً تجاوباً تاماً، فتم شفاؤهم خلال 6 أيام من بدء ظهور علامات المرض عليهم.

وأعلن راؤول أن العلاج قلص مدة المرض، وأوقف المضاعفات الناتجة عنه.

كما اعلن أنه من الأوائل الذين اكتشفوا هذا الدّواء وسوّقوا له، وقد اِعتُمِد كما قال في الصين وفي دول مُتعدّدة وكانت النتائج إيجابيّة جداً.

ومما كان لافتاً أن وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ضجت في الأيام والساعات الأخيرة بأنباء عن التوصل إلى هذا العلاج، وأن الكثير من الأشخاص الأصحّاء هرعوا إلى الصيدليات لشراء كميّات كبيرة من هذين الدوائين كإجراء احترازي في حال إصابتهم بمرض فيروس كورونا.

لكنّ السلطات الفرنسيّة مُمثّلة باللّجنة العلميّة الاستشاريّة التي يستشيرها الرّئيس ماكرون، عارضت بشدّة حتى تاريخ اليوم تعميم استعمال هذا الدّواء الذي تصنّعه شركة Sanofi الفرنسيّة، واختفت من الأسواق كل الكميّات المُتوفّرة من هذا الدّواء الذي يقول البعض إن الناس لجأت إلى تخزينه بهوس، لاستعماله عند الحاجة (حالة هلع جماعي). وقامت السلطات الصحيّة الفرنسية بسحب ما تبقّى منه لاستعماله داخل صيدليات المستشفيات أو لمنع استعماله من قِبل عامة الناس، بحجّة أن التّجربة التي قام بها البروفسور راؤول غير كافية، أو لأن استعماله من دون إشراف طبي خطير.

فهذا الدواء له آثار جانبية كبيرة وخاصة على القلب فيجعل دقاته غير منتظمة. وقد سجل حصول حالات اضطرابات في كهرباء القلب وتغييرات مُقلقة في تخطيط القلب، وكما أن لديه آثارًا جانبية اخرى قد تكون خطيرة على الكبد والكلى أو الجهاز الهضمي أو الدم .

وقال عضو هذه اللّجنة العلميّة الاستشاريّة البروفسور “برينو لينا” من مدينة ليون الفرنسيّة إنه لا يُمكن له أن يؤكّد إدّعاءات راؤول، لأن عدد المرضى في التجربة التي نشرها الأخير قليل وبالتالي فلا يُمكن تعميم استعمال الـ هيدروكسي كلوروكين على عدد كبير من المرضى.

وقال إن الخبراء في فرنسا وأوروبا اتفقوا على إجراء تجربة علميّة واسعة تحمل إسم “ديسكوفري” أنطلق العمل عليها، وهي تشمل 3200 شخص، بينهم 800 من فرنسا، ستسغرق نحو 6 إلى 8 أسابيع قبل صدور نتائجها، وستشمل عددًا كبيرًا من المرضى من سبع دول أوروبيّة أخرى لكي يتمّ خلالها البحث العلمي المنهجي وحسب الأصول في فعّاليّة أكثر من 15 صنفًا من الأدوية من ضمنها دواء الهيدروكسي كلوروكين.

وقال إن الدواء الذي استعمله راؤول سيكون من ضمن هذه الأدوية، بالإضافة إلى مضادات حيويّة أخرى ومضادات فيروسية وأدوية تستعمل لمنع تكاثر الفيروسات، منها أدوية أخرى يُعمل على درس فعاليتها في محاربة كوفيد 19، مثل “رمدزيفير” و”ليبونافير/ريتونافير”، و”أنترفيرأن ألفا”، و”توسيليزوماب”.

وأكد البروفسور لينا أن هذه التجربة ستكون التّجربة العلميّة الأولى الأوسع لكي يتمّ من خلالها التّأكّد والتّثبُّت من فعاليّة الأدوية التي سوف تُستَعْمَل.

لكنّ الأوساط العلميّة الفرنسية أثارت عبر وسائل الإعلام سجالاً كبيراً حول هذه المسألة، وطالبت الإسراع في توسيع اعتماد دواء الهيدروكسي كلوروكين (plaquenil) واستعماله في كل الحالات التي تدخل إلى المستشفى وتكون في حالة مرضيّة مقبولة، لمنع تطوّر المرض والحدّ منه وعدم الدخول إلى العناية الفائقة ، وقد دافع الكثير من الخبراء اللامعين في فرنسا عن وجهة النظر هذه.

وتساءلت هذه الأوساط العلميّة المُمثّلة بالكثير من خبراء علم الفيروسات والأوبئة والأمراض الجرثوميّة عن سحب دواء الهيدروكسي كلوروكين من الصيدليات وحصره فقط للاستعمال في المستشفيات وتساءلت لماذا تريدوننا أن ننتظر 6 إلى 8 اسابيع إضافية. ونحن نرى المرضى يموتون أمام اعيننا! لماذا لا نعطيهم الأمل مع هذا الدواء، وهو دواء موجود وقليل الكلفة وآثاره الجانبية من الممكن مُراقبتها؟

كما تساءلت ايضا عن عدم اخذ السلطات الصحية الفرنسية القرار المُباشر بتوسيع استعمال هذا الدواء الذي يُعتَبَر ذا كلفة قليلة جداً، وقد أُستعملَ زمناً طويلاً في علاج الملاريا وبعض أمراض الروماتيزم، مؤكِّدين أن الأعراض الجانبيّة لهذا الدواء سوف تكون قليلة جداً في حال تمّ إستعماله تحت مُراقبة مُشدّدة في المستشفيات.

كما قال بعض الخبراء إنهم لو شرعوا اليوم باستعمال البروتوكول الذي طوَّره البروفسور راؤول لمعالجة الحالات المُتوسّطة الخطورة المُصابة بفيروس الكورونا، لن يتطوّر هذا المرض ولن تحصل الالتهابات الرّئويّة وحالة الاختناق أو الفشل التّنفسي الحاد القاتل.

كل هذه المُعطيات تُشير إلى أن هناك صراعاً خفيّاً يدور بين شركات الأدوية الطّامحة لتطوير أدوية جديدة من ضمنها مضادات فيروسية أو أدوية تمنع تكاثر الفيروسات، أو مضادّات حيوية قد يكون الهدف الرئيسي من وراءها جَني الكسب المادّي واستغلال هذه الأزمة العالميّة التي اكتسحت حتى اليوم أكثر من 174 دولة، من أجل جني الأموال والأرباح الطائلة من جرّاء استعمال هذا الدّواء عند أكبر عدد من المرضى.

والمُستَغرب هنا أن المدافعين عن نظرية البروفسور راؤول يستغيثون من انتظار دراسات علميّة ستمتد من شهر إلى شهرين لاختبار أدوية جديدة، في حين أن البروتوكول الذي اعتمده راؤول متوفّر وأنه من الممكن أن تُصَنّع كميات كبيرة منه خلال أيّام.

فهل فَقَدَ هذا العالم أنسانيته بالكامل؟ ويحاول الآن استغلال هذه الأزمة العالميّة من أجل تسويق أدوية جديدة وجني أموال طائلة، رغم أن المرض يَفتُك بكل دقيقة بأرواح جديدة في مختلف دول العالم؟!.

وهذا ما يدعو إلى طرح السؤال التالي فهل إن البشرية وصلت إلى أسفل درجات الانحطاط، بحيث أنه حتى في أحلك الأزمات فإن الصّراع على جَني الأموال في عزّه، وهناك من يتاجر بأرواح العباد ويسعى لتدمير البلاد؟

فمن يحاسب ومن يراقب وأين أصحاب الضمير؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *