سمر كموج من التراث إلى التراث

Views: 888

د. جان توما

من بوارق الأمل سماعك ما تبثّه ابنة الميناء سمر كمّوج على صفحتها الفايسبوكية من أغاني التراث ومن طلعات الروح الرحبانيّة.

تمضي في استماعك إلى مطارح الفجر قبل أن يطلّ، وإلى مواقع الندى قبل أن تأخذه الغفوة على خدّ وردة. ما هذا الغنى في التراث العربي الذي تمسك فيه سمر كمّوج بيدك، وتأخذك إلى روعته وحضوره في النفس، قبل أن تتوجّع مسبحًّا مضامين الكلام ومعارج الإيقاع؟

أنت حبيس البيت اليوم، لكنّ صوت “سمر كمّوج ” التراثي يفتح لك شبابيك الإطلالات لتطفر إلى الجلول وشجر الزيتون، وتستظلّ كروم العنب، وتتشيطن ”  كالولاد السمر”، وتغسل يديك ووجهك بماء ينبوع القرية التي تعيدك إلى قادومياتها، فلا تشبع من الجري وراء السواقي لتصل إلى كرم العلايلي لتغفو في حضن الولدني.

تعرف “سمر كمّوج” الآتية من شاطىء بحري يتغزّل زبد موجه بليالي السهر العتيق في الأحياء العتيقة المقدسة ما معنى أن تغني للكبار: للسنباطي وعبد الوهاب والرحابنة وغيرهم، وتعرف في اللحظة نفسها أنّها  أصابت وهي تعيد حضور أرشيفها الفنّي على صفحتها الفايسبوكية في أنّ الصوت يحيي، ولو عن بُعد، كي لا تقسو القلوب.

في هذا الزمن الصعب يزدهر أدب العزلة وأدب الحجر، وفي الوقت نفسه ينصرف ” الحبيس” إلى اكتشاف أشيائه الصغيرة المخبأة في قارورة ذكرياته ليستعيد ألق الزمن الذي راح كي لا يخسر الأمل الذي يربحه في ” حبسه”.

سمر كموج تكسر قيودنا بصوتها وبأرشيفها الغنّي لتطلقنا أحرارًا في فضاء نَفَخَتْ فيهِ التُلُولْ نَسْمَةَ الرَيْحَانْ، وحيث أنين الناي يبقى بعد أن تفنى الحياة، ولن تفنى لأن الله قائم في وسطها ، وأبواب المحن لن تقوى عليها.

حين تستعيد سمر كموج من خزائنها الصوت الذهبي نعثر بصوتها على هويتنا وجذورنا، ونقف معها في مسرى التراث العربي الفنّي الكبير كي نصير بحجم الكون عزّة وشوفة حال.

من هذا البحر المالح العذب، ومن أزقة ضيّقة كالشرايين النافرة من كفّ العمر، ألف سلام ل”سمر ” عسى أن تتألق أيامنا كي لا نهرب ونطير مع “هالورق الطاير، وتَ ما نكبر ،بعد بكّير، شو صاير شو صاير”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *