الرَّبيعُ في زَمَنِ الكورونا
سلمان زين الدين
نَيْسانُ، هَذا العامَ،
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَهْرٌ،
وَلَيْسَ كَزَهْرِهِ زَهْرٌ،
وَلَمْ يُهْرَعْ إلى تَقْبِيلِ وَجْنَتِهِ أَحَدْ.
فَأَتى يَشُقُّ طَرِيقَهُ نَهْرًا،
وَلَمْ يَفْتَحْ ذِراعَيْهِ لَهُ أَيٌّ
مِنَ النّاسِ الأُلى انْتَظَروا
طَوِيلًا عِنْدَ مَجْراهُ،
وَلَمْ تُنْحَرْ لِمَقْدَمِهِ الخِرافُ،
وَلَمْ يُيَمِّمْ شَطْرَهُ شَيْخٌ عَجوزٌ
أوْ وَلَدْ.
فَالنّاسُ أَسْرى،
وَالسُّجونُ مَنازِلٌ
ضاقَتْ بِهِمْ ذَرْعًا،
وَكورونا على الأبْوابِ
يُنْذِرُ بِالثُّبورِ وَبالعَظائِمِ
دُوْنَ أنْ يَخْشى عَتادًا
أوْ عَدَدْ.
وَعُيُوْنُهُمْ، تِلْكَ الَّتي دَأَبَتْ
على رَوْدِ المَدى، حَسَرَتْ
منَ التَّحْديقِ في جُدْرانِها.
وَأُنُوْفُهُمْ، تِلْكَ الَّتي فُطِرَتْ
على شَمِّ النَّسيمِ،
تَكَمَّمَتْ بِقُماشَةٍ تُخْني
على أنْفاسِها.
أمّا مَسامِعُهُمْ، تِلْكَ الَّتي سَمِعَتْ
صَدى الأيَامِ، قَبْلَ صُداحِها،
صُمَّتْ، وَلَمْ تَسْمَعْ سِوى
صَوْتِ المَآذِنِ
أوْ نَواقيسِ الأحَدْ.
***
نَيْسانُ، هَذا العامَ، جاءَ،
فَلَمْ يَجِدْ أَقْواسَ نَصْرٍ
تَحْتَفي بِوُرودِهِ،
أوْ مِدْفَعًا يُوْري الزِّنادَ
تَحِيَّةً لِزُنودِهِ،
أوْ كَرْنَفالًا واحِدًا يُعْلي البُنودَ
تَيَمُّنًا بِبُنودِهِ،
وَالنّاسُ لمْ يُوْفوا بِما وَعَدوا بِهِ،
فَتَحَطَّمَتْ آمالُ نَيْسانَ الكِبارُ
على صُخورِ وُعُودِهِمْ،
وَهْوَ الَّذي يُوْفي إذا وَعَدْ.
لَكِنَّهُ لمْ يَنْتَبِهْ أنَّ الأُلى وَعَدوا
غَدَوْا أَسْرى لِكُورونا اللَّعِينِ،
وَأَنَّهُمْ لا بُدَّ أنْ يَتَحَرَّروا مِنْهُ
غَدًا أوْ بَعْدَ غَدْ.
***
نَيْسانُ لا تَعْتَبْ إذا ما
أَخْلَفَتْ وَعْدَ الرَّبيعِ عُيُونُنا،
وَتَخَلَّفَتْ عنْ مَوْسِمِ
العِطْرِ الشَّذِيِّ أُنوفُنا،
وَتَسَلَّلَ الوَقْرُ الثَّقيلُ
إلى مَدى آذانِنا،
فَالرِّيحُ أقْوى منْ صَلِيلِ سُيُوفِنا،
وَالمَوْجُ أَعْتى مِنْ سَنابِكِ خَيْلِنا،
لَكِنَّنا، رُغْمَ الرِّياحِ الهُوْجِ
وَالمَوْجِ العَتِيِّ نَروحُ
نَجْتَرِحُ الأَمَلْ.
ثِقْ أَيُّها الضَّيْفُ الجَميلُ بِأَنَّنا،
بِمَشيئَةِ الفَرْدِ الصَّمَدْ،
سَنَكونُ في اسْتِقْبالِكَ المَيْمونِ،
حِيْنَ تَزورُنا، العامَ الجَدِيدَ،
فَنَحْنُ نُوْفي بِالْعُهودِ،
بِدُوْنِ خَوْفٍ أَوْ وَجَلْ.
بَلْ نَحْنُ نُكْرِمُ ضَيْفَنا،
مُنْذُ الأَزَلْ،
حَتّى الأَبَدْ.
الخميس، في 26 / 3 / 2020
