في البيت

Views: 265

لم أعرف قيمة المكتبة التي جمعتُها طوال عقود في بيتي إلا هذه الأيام. فلقد كنت من أوائل الذين التزموا «خليك بالبيت» وكنت أتساءل كيف ستمرّ البضعة أيام الآتية، وأنا أمضيت معظم وقتي خارج البيت لضرورة الموجبات الصحافية. ولم أكن لأتصور أنها ستطول. ولقد اكتشفت في بيتي كنزاً ثميناً هو المكتبة التي تضمّ آلاف الكتب والمئات منها تحمل إهداءات لافتة أعتزّ بها خطّها كبار الأدباء والباحثين والشعراء … ولقد حضرتني أقوالٌ وحِكم في البيت والمكتبة منها قول رجل الدولة الفيلسوف شيشرون: «بيتٌ بلا كتب جسدٌ بلا روح». وقول فيلسوف الفريكه ميخائيل نعيمة: «عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ عندئذ يمكن القول إننا أصبحنا متحضرين».

والبيت يمكن أن يكون كابوساً ويمكن ان يكون واحةً وإنني أرى الواحة في بيتي مستذكراً قول أحلام مستغانمي: «البيت يصنع جمالَه من يقاسموننا الإقامة فيه».

ولست أدري كيف تدافعت في خاطري تلك الحِكم والأمثال عن البيت. إذ يبدو أن الوقت فيه لا يُمرره طول مشاهدة التلفاز، خصوصاً إزاء التكرار المُمل وغياب البرامج المفيدة وحتى انعدام أي فسحة ثقافة، بالذات في الكثير من الأقنية العربية التي تعامل المشاهد بسطحية في حكم مسبق على ضحالة فكره. وهذا ليس صحيحاً، ففي معظم بيوت المشاهدين مستوى ثقافة أرفع من أكثرية المنظرين ومعدي البرامج.

ولأن المثل الدانمركي يقول: «عندما يكون لك مكان قي القلب يكون لك مكان في البيت»، فأشكر الله لأن المكانين حاضران في بيتي ما يجعل حقيقياً القول الشهير: «عتبة البيت أعلى من القمم». أليس أن المثل الهندي السائر يوضح أن «البيت ليس حجارة إنما البيت هو إمرأة» ليتكامل مع المثل الألماني الشهير «الأبناء هم أعمدة البيت».

ولقد أعجبني هذا القول الشهير لدوستويفسكي: «كانت أمي تقول لنا دائماً إضحكوا في وجه أبيكم عندما يعود إلى البيت فالعالم في الخارج موحش يحطّم الآباء». وفي اقتناعي أن العالم أكثر وحشية بالنسبة إلى الصحافي (والإعلامي عموماً) لأن وراء الأضواء الساطعة والشهرة تعباً بلا حدود وجهوداً مضنية ومخاطر لا حدّ لها وبالذات إذا كان الصحافي ممن يلتزمون مبادئ وقيماً وأخلاقيات …

وإذا كان البيت ضرورة حتميّة اتقاءً لفيروس كورونا فبإمكاننا أن نحوّله نعيماً. ونحن الذين غبنا كثيراً عن بيوتنا آن لنا أن نفيء الى ظلال دفئها ولو تحت ضغط الفيروس لنكتشفها واحات في صحارى قاحلة ونعيماً مقابل جحيمِ مجتمعٍ تتآكله الأنانيات والأحقاد والضغائن والخبث والفساد والجريمة و… كورونا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *