الجسم الطُبّي…. شكراً

Views: 753

د. جورج شبلي

كلُّ واحدٍ منكم هو سُنَّةُ النُّبل، وهي اليوم تركيبةٌ نادرةٌ لا تُستَنخَبُ إلّا من معادِنِكم. أنتم حِجَّةُ المَنجاةِ التي يُقصَدُ إليها، ولن تُمحى خطوطُها من عرقِ الوطنِ لا بل من الأوطان جميعِها. 

أيها النّاحِتون عافيةً من حياتِكم، يا مَن يَنزُّ من ينابيعِ أيديكم وصدورِكم فيضُ التمرّدِ على الخطر، وكأنّكم أَلِفتموه فصارَ شريعةً في يوميّاتِكم. إنّ وَلَعَكم بالخدمةِ حتى التّضحية، أصبحَ صنيعةً تلقائيّةً لا يأتيها سوى البَرَرَةِ الأتقياء، نطمعُ بها مع عجزِنا عنها.

أنتم غَيثٌ حلَّ بِوادٍ ظمآن، وغَوثٌ سيقَ الى لَهفان، بما تختزنون من لهفةٍ ومهارة، من عِلمٍ ومبادرةٍ ورشاقةٍ وقرار. أنتم الأرضُ الرّشيحةُ التي تُنبِتُ كيفيّةَ تَغَلُّبِ الإنسانِ على الألمِ والمرضِ، وحتى على الموت. وما ذلك إلّا كالتَّرصيعِ في ألوانِ الخَزَف، أو كرسالةِ المعلِّمِ المُندفِعِ الذي يدركُ أنّ المنفعةَ ممّا يعرفُ تذهبُ الى المُتَلَقّي من دونِه، ويُسَرّ، وهذا أَنبلُ العطاء.

 

أنتم همزةُ الوصلِ الإلزاميّةُ بين اليأسِ والأَمل، لتُعيدَ طينتُنا الى نفسِها الإعتبار، فتَنعَتِق من فسادِ الهَلَع، تائِقةً بكم الى الصّفاءِ والفرحِ. من هنا، فتقديرُ ما تقومون به من أعاجيب موصوفةٍ، هو تَطبيقٌ مُلزِمٌ لنا، ومَخطوطٌ بحبرِ الوجدانِ وشرايينِ الأحاسيس، ولن يُسقَطَ أبداً من حسابِ الإحترامِ لتَفَوّقِكم في الخدمة.

تُداوونَ على إيقاعاتِ قلوبِكم، ونبراتِ نَبضاتِكم، والمعالَجةُ المَحبوكةُ خيوطُها بإبرةِ التضحية، هي عينُ الشِّفاء. وبالرّغمِ من التِصاقِ الحزنِ والخوفِ بأيّامِ عصرِنا، فنحنُ مُطمئنّون الى مَن جُبِلوا طيبةً ورصانةً وتَوَهُّجَ اندفاع، لأنّ حظَّنا مع وجودِكم هو أَوفى الحُظوظ. فبدونِكم، نمتشِقُ الأَغلالَ بديلاً عن النّور، ويصبحُ زمنُنا ترجماناً لمشاهدِ حُبوسِ الرّجاء، ونقبعُ في سردابٍ تحوطُه الوساوسُ، ويُعشِّشُ القَلقُ في جنباتِه، ولا نعودُ نقرأ الضَّوءَ كما تكتبُه الشّمس.

أنتم عِتادُ ردِّ النَّفَسِ الى رئةِ وطنِنا، بالرَّغم من شحٍّ كابوسِيٍّ في ما هو مُتَوَفِّر، وبالرَّغمِ من عنجهيّةِ بعضِ مالِ الصَّدَقاتِ من سلطةٍ أهملَتكم، فأبرَزتُم باندفاعِكم العَفويِّ الإنسانيِّ قلَّةَ هيبتِها، ففكرةُ الحلالِ والحرامِ لا تَخفى على أحد، لذلك فإنّ مَن فاتَهُ النّهوضُ الى دَعمِكم وتسديدِ حاجاتِكم وحقوقِكم، لا يمكنُ أن نُنسَبَ إليه الجوانبُ المُضيئة، هذه التي أَقبلَت عليكم كإقبالِ ذَوي الحاجاتِ على البَرامِكة.

 

إنّ هذا الكَمَّ الهائلَ من اندفاعِكم على مِنهاجِ وَضعِ الإمكانيّاتِ، على ضآلتِها، في هدفٍ إنسانيٍّ واحدٍ وبلا تَرَدُّد، حتى ولو سقطَ منكم “شهيدٌ” بجانبِ كلِّ سرير، يُرينا أنَّكم الأَنفَسُ عندنا. أنتم انتشارٌ لارتِساماتِ الأَمل، في وجوهِكم غُرَرُ الخير تمزجُ بين جلاءِ الوجدانِ وصفاءِ الحنايا وأَلَقِ الحِرفَة، لتُلصِقوا المرضَ بالحَضيض، وتنقلوا المُصابين الى جِوارِ السلامةِ والسلام.

أنتم قارورةُ الطِّيبِ التي نحتفلُ بها عيداً ملائكيّاً للتجربةِ الإنسانيّةِ الراقية، وهو ليس أبداً كالأعيادِ التي يقيمُ شعائرَها التُرابيّون المُتَلَهّونَ بالقُشور. إنّ ما تقومون به من إنجازاتٍ متفوِّقة، يجدرُ بنا أن نعلِنَه خلاصةَ آمالِ الشُّعوب، أو سرَّ القيامةِ والحَجَرَ الأَسْوَدَ، بعدَ أن لَوَّنَ بعضُ أهلِ الدنيا بالأَسْوَدِ دُنيانا.  

يا أَهلَ الخيرِ والقيمة، يا نَفحَ الطِّيب، يا مَن تَجتهدون، وإِنْ في هيكلٍ صدَّعَته أنانيّاتُ المَمسوسينَ مِمَّن تَوَلّى شؤونَ الناس، لتُخرِجوا الوطنَ من جلدِ الأَفعى، هو صورةُ برّاقةٌ عن حَمِيَّتِكم في سلوكِكم المِهنيّ، وهو نسخةٌ دامغةٌ عن قَسَمِ ” أَبِقراط ” الذي أشعَرتُموه بالفَخر والتِّيهِ. إنّ هبوبَكم المولَعَ بالخدمةِ من دون مِنَّة، يستلزمُ منّا التَّصفيقَ بالقلوبِ، لا بالأَيدي. شكراً….

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *