القصيدة الحيّة

Views: 866

د. جان توما

لكلّ قصيدة حكاية ورواية، لذا فإنّ المتبحّر فيها يمكنه أن يقف على سرد لها واسع ومؤثّر، فقصيدة “الأطلال” كتبها إبراهيم ناجي بعد افتراقه عن حبيبته لدراسة الطبّ، ليعود بعد سنوات طوال ويقف كطبيب على لحظة ولادة طفلها المتعسّرة، فتوجعه ذكرياته كعاشقٍ وتنفجر.

كذلك محمود درويش في ” أحنّ إلى قهوة أمي” كتبها وهو في الأسر، منتظرًا زيارة أمّه التي يتعرّض لها الحرّاس، فيرمون القهوة والخبز الذي حملته إليه، فكان الحبر الذي به أنشد وجعه.

ونزار قباني كتب “قارئة الفنجان” بلسان عبد الحليم حافظ في حبّه المستحيل لسعاد حسني ” النائمة في قصر مرصود”.

كذلك أم كلثوم حين سألت جورج جرداق: متى سأغني من كلماتك ؟ فأجابها على الفور قائلا لها: “هذه ليلتي وحلم حياتي” يا سيدتي أن تغنّي من كلماتي.فقالت له: بس يا جورج هذه الكلمات التي قلتها ستكون مطلعًا للقصيدة. وهكذا كان.

كما حكاية فيروز وعاصي يوم زارا زين شعيب لاختيار قصيدة للغناء فوجدت بيته مكتظًا بالناس فقالت له فيروز التي كانت ترتدي تنورة نيليّة اللون؛ “وين بدنا نقعد يا زين؟”. فردّ عليها شعرًا “سمرا يا امّ عيون وساع – والتّنورة النيليّة/ المطرح ضيّق ما بيساع – رح حطّك ب عينيّي”. فصاح عاصي “الله، الله، خلصت الزيارة، كمّل الغنّيّة وابعتلنا ياها”.

والشيء بالشيء يذكر  فالقصائد أيضًا تسقط شعبيًّا في التحريف والتصحيف، فالأغنية التراثّية العراقيّة مثلًا “فوق النخل” هي في الأصل: “فوق إلنا خِلّ” أي خليل وحبيب، وفي الحكاية أنّ شابًا كان  يسكن وحيدًا، لمح أثناء دخوله بيته، في الطابق الأرضي، وجه فتاة جميلة كانت تقف على باب غرفتها في الطابق العلوي فشعر الشاب برغبة جامحة للتكلّم مع تلك الفتاة، إلّا أنّ الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة حالت دون حديثه معها بشكل مباشر، مما اضطره للبحث عن أسلوبٍ آخر للحوار، فوجد في الغناء وسيلة نافعة لإيصال رسالته، فبدأ بالدندنة كلّما عبر عتبة مدخل الدار مغنّيًا: “فوق إلنا خِل”، أي أنه يوجد لدينا حبيب يسكن في الطابق العلوي، ودمج الناس الكلمتين بقولهم :” فوق النّخل”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *