كورونا في مواجهة التكنولوجيا

Views: 521

د.  جيهان الفغالي

قرأنا منذ مدّة خبرًا مفاده أنّ الصين تستخدم التكنولوجيا في مواجهة فيروس كورونا، وأنّها من خلال الذكاء الاصطناعيّ، حاولَت أن تتحدّى هذا الفيروس الخبيث الذي عجزت عن مواجهته أكبر الدول في العالم، والذي أدّى إلى وفاة أكثر من مئة وعشرين ألف نسمة في العالم. ففي إحدى مقاطعاتها الجنوبيّة، نشرت السلطات الصينيّة رجالا آليّين لتوبيخ المارّة الذين لا يرتدون أقنعة واقية!

ولكن، إذا ما قمنا بزيارات افتراضيّة، إلى غرف أبنائنا، خصوصًا فئة الشباب، لوجدنا العكس، بل العكس تمامًا! فما كان يشكّل فعلًا،  ضررًا على حياتهم، هي التكنولوجيا، بشتّى أوجهها ووسائلها! وتكاد تكون هي الأذى الأساسيّ والخبيث لحياتهم! وكنّا على غفلةٍ من هذا الأمر!

لمَ هذه النقمة على الكورونا إذًا؟

أليس هذا العالم الافتراضيّ الذي نعيشه اليوم، من صنع التكنولوجيا؟! ألم تكن هي السبب في تفكّك العائلات؟ ألم تسيطر بشكل جليّ على عقولنا، وسلوكنا؟

إلى أن أتى هذا التاج الكورونيّ منذ بضعة أشهر، ليوقظنا من مخاطرها، ويتربّع على عرش التكنولوجيا!

نعم! الكورونا هو في مواجهة التكنولوجيا، لا العكس!

قبل الكورونا، لم نكن نجد الوقت الكافي لنحدّث أفراد أسرتنا، إلا في الموضوعات الأساسية، كالدراسة والعمل، في الوقت الذي يحتاج أبناؤنا إلى النظر إلى عيوننا، والقيام بأبسط الأمور، كالرياضة الصباحيّة، وتحضير الوجبات المفضّلة! كما التحدّث عن أعمق الموضوعات، شأن التخطيط لتحقيق أحلامهم، وتأمين مستقبلهم، إلى ما هنالك.

أمّا في أيامنا هذه، فبتنا نشاهد، عبر وسائل التواصل، فيديوهات لآباء يحضّرون أشهى الأطباق مع أبنائهم، وأمّهات يقمن برقصات مع أولادهن، ومنهنّ من يقرأن لهم قصصًا يوميّة. هذه الأمور قلّما كنا نشاهدها، قبل الكورونا، ومن المرجّح أنها لم تكن لتحصل إلا بنسب ضئيلة جدًّا، وإلا لما غابت عن شاشات التواصل الاجتماعيّ، ولما كثُرت في هذا الزمن، زمن الكورونا.

لقد أعادَ إلينا الكورونا أواصر العائلات! علّمنا أن نجلس مع أولادنا، ونحادثهم في أمور دقيقة، عميقة!

 أن نتذكّر معًا أحداثًا مهمّة حصلت خلال مرحلة طفولتهم! علّمنا أن نصغيَ إلى مكنوناتهم، ونصبح أكثر وعيًا لما يعتري عقولهم وقلوبهم!

وأَفْهَمهم أيضًا، أنّ بإمكانهم استخدام وسائل التواصل للدراسة ومتابعة واجباتهم، وليس فقط للدردشة والترفيه!

أدركوا أنّ هذا الهاتف الذي كانوا يستخدمونه للمتعة، يقدّم لهم المنفعة أيضًا!

هذا الكورونا متوّجٌ بالثقافة، إذًا!

ما لم تستطع التكنولوجيا أن تضيفه إلى حياتنا وحياة أبنائنا خلال أكثر من عشر سنوات، استطاع ذاك العرش أن يكلّلها خلال أشهر وجيزة!

هنا لا يمكننا إلّا أن نتساءل:

أين أنتَ أيها الطبّ؟ أين أنتِأيّتها التكنولوجيا؟ أين كلّ هذا التطور الذي وصلنا إليه اليوم؟

لِمَ لَمْنتنبّه مسبقًا إلى ضرورة الاندماج الاجتماعيّ،وإلى أهميّة أن نتّسم بوعي فرديّ لما يحوط بنا خارج إطار الدردشة، من دون أن يدفع مئات آلاف الضحايا الثمن؟

ثمّ، ألن تستعيدي أيّتها التكنولوجيا أنفاسكِ مجدّدًا، وتثبتي للعالم، وللكورونا، أنّ نورك لن يخبو، وأنّ تلك الشعلة المضيئة في حياة البشر، هي أقوى من أن يهلكها فيروس لا يُرى بالعين المجرّدة، ولا يتعدّى حجمه مئة وخمسة وعشرين نانومترًا؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *