جرح العالم

Views: 20

د. جان توما

هنا في مدريد باسبانيا في ساحة الصراع مع الثيران عاينت وجهًا لوجه انفعالات المشاهدين الحيّة في مباراة الثيران التي كانت مشاهدتها وقفًا على شاشتي التلفزيون والسينما.

هناك، في تلك الظهيرة، من صيف ٢٠١٣، اكتشفت، على أرض الواقع، لماذا شكل الساحة دائري؟ هو دائري لتدور وتدوخ مع الثور كيفما دار وداخ، لا تهدأ رقبتك من المداورة، يمينًا ويسارًا، طلوعًا ونزولًا، كي لا يفوتك أن تصرخ” اوليه” بالإسبانيّة، أو ” الله” بالعربية، كما يفسّرها بعضهم، كلّما استطاع المصارع التفلّت من قرنَي الثور.

في هذه الساحة الدائرة يحتشد الناس متكاتفين متعاضدين متعاونين مع المصارع كي يتغلّب على الثور المسكين. يلوّح له بقطعة قماش حمراء ليتجه إليها، ويعبر من خلالها في حركة استعراضيّة للمصارع وسط تصفيق المشاهدين، ولربّما كنت الوحيد الذي لم يصفق حينها، ولم يشعر بي أحد أصلًا، فالحماسة ساطعة، والعرق يتصبّب في صيف مدريد الحارّ، و”الأدرينالين” يشعل شرايين الجمهور الباحث عن ضحية.

كأنّ المشاهدين هنا لكثرتهم، لم تكفهم الأيدي للتصفيق، فكانت تساندهم الأرجل لتفوح رائحة دم الثّور من طعنات سيوف المصارعين.

لا تسمع في هذه الضجّة الكبيرة والفوضى الجماهيريّة المنظّمة غير الصراخ والتصفيق. ينتظر الثور موته، كما ينتظر أن تلفّه لاحقًا قطعة القماش الأحمر لكي لا يرى الناس ضعفه بجراحه وكلومه. (publishedreporter.com)

يزداد التصفيق، يلمع نصل السيف بعد أن تكسّرت النّصال على النّصال على جسد الضحيّة الذي بات ضعيفًا لكثرة نزفه. يخترق السّيف مطرح المقتل فينهار . يقوى التّصفيق والتّصفير، يخرج الثّور المقتول على وقع أقدام المنتصر الإيقاعيّة. يدخل ثور آخر ، ومصارع آخر، وينفتح العالم على الجرح الكبير.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *