زياد غالب: راسم الذكريات

Views: 1062

د. جان توما

كانت ريشة ذكريات زياد غالب موفّقة حين رسم هذا المنعطف الذي يقود إلى ” زقاق الطاحون” ومنه إلى حي “نصف برطاشة” في مدينة بحريًة تتثاءب كصياديها على شطّ ساحر.

هنا كرّت طفولتنا وراحت، فيما بقي المشهد العمراني نفسه؛ على اليمين بيت عبد الوهاب، وعلى الشمال بيت الكراكيزي ونمنم وقودم وغانم وغيرهم.

هكذا أمسكتك ريشة زياد ورمتك هناك، حيث عادت تطلّ رؤوس الأمهات من النّوافذ المطلّة على الحيّ، يراقبن الاولاد يلعبون في الحارة، وفي الوقت نفسه ينتظرن إبراهيم العامودي البوسطجي ويوسف عزيز الغرّ  يكرجان بلباسهما الكاكي على دراجتيهما باللون الأصفر ليعلنا وصول رسالة من وراء البحر، إذ كان لكلّ بيت، مهاجر في بلاد الله الواسعة، وفي العيون المالحة.

من يردّ تلك الأيام، يوم كنا نتأمل أناقة فؤاد عبد الوهاب وفؤاد نادر وغيرهما يمرّان صباحًا مع العصا إلى المقهى، أو إلى العمل، فيما كانت عجقة السوق كافية لتوقظك باكرًا على وقع خطوات الصيادين، أو عمال فرن ” أبي خضر” أو “الشيخ أنور سمنة”، يوم كان الخبز تأخذه عند الطلب، خارجًا من بيت النار ليطفىء جوع معدتك وصراخها.

هنا كانت ألعابنا في الحارة:” الغميضة”، اللاقوط”، “المنغيرة”، في الخمسينيات والستينيات، قبل أن تأسرنا آلات ” الفليبرز” في السبعينيات، وتعتقلنا لاحقا أحهزة الكومبيوتر في الثمانينيات، وتختفي الحارات وتنهار ألعاب الصبية وينعزل الفتية.

زياد غالب ماذا فعلت؟ رسمت الحيطان ونسيت أنّها صارت تحدّثنا في زمن الحجر، وأنّ النوافذ تسرد لنا في كلّ يوم ، كما ريشتك، حكايات عن ذلك الحيّ المفتوح جرحه في بال الذكريات.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *