الآنسة … أو السيِّدة الحكومة
الوزير السابق جوزف الهاشم
الآنسة الحكومة ، أو السيِّدة الحكومة ، لا يهـمّ …
المهمّ ألاَّ تسمح هذه الحكومة لأولاد الحرام بأنْ يعتدوا عليها بالتحرُّش .
وأهمُّ ما تتحلَّى بـهِ فتاةُ السرايا هو الشرف ، وهي بعفَّتها تـتحدَّى كلَّ فتيات السرايات اللواتي كـنَّ بناتِ هـوىً لشذّاذ الأرصفة وصبيان الليل .
الحكومة عندنا ، تـتزوَّج زواجاً مدنياً ، والقانون يحميها من العُنـف الأُسَري ، إلاَّ إذا كان الـزوجُ مصاباً بالعُقْم فقد تـتمُّ المضاجعةُ بالمراسلة وبواسطة سُعاةِ البريد .
بالرغم من أنَّ هذه الحكومة قد وُلدتْ أيضاً بالخطيئة ، ولم تـتحقّق بعدُ على يدها واحدةٌ من عجائب الدنيا السبع ، إلاّ أنها لم تتلوَّث بالعيب والدنَس ، وهي قادرةٌ على أن ترشق العاهرات بالحجر ، حين تطلّ رؤوسهنّ من أوكار الحجْرِ الأخلاقي لإعطاء دروسٍ في كرامة الزِنى .
ولو أنَّ أهل الفحشاء يتحلّون بـذرَّةٍ من الكرامة والحياء ، لكانوا في ليلةٍ ليلاء يرمون بأنفسهم في البوسفور ، من دن أن يربحوا جميل السلطان عبد الحميد .
إنّ فواجع هذا الزمان ، قد هيَّـأتْ لهذه الحكومة فرصةً نادرة لم تتوافر لغيرها .
فإمّا أن ترتقي في سلَّم نادي الحكومات إلى مستوى النجوم … وإمَّا أنْ تسقط في لعبة “الكورونا” وعلى فمها الكمّامات .
إمَّا أن تكون سلطانةً على العرش … وإمّا أن تكون جاريةً في قصور السلاطين .
إمّا أن تكون حكومةً تاريخية تنتشل البلاد من أرزائها وأوبائها … وإمّا أن تتلوّث هي أيضاً بالأوبئة الحكومية ، وقد لعبَ الفأْرُ في “عُـبِّها” ، واستعذبت طعم العسل المـرّ على كراسي الخشب المحفور والمخمل المطـرَّز .
ولكن ، مثلما أنَّ “الكورونا” شكّلتْ لعصابات النهب والسلب واختلاس أموال الشعب غطاءً بـه يتستَّرون ، فإنّ هذه “الكورونا” أمَّنت للحكومة حصانةً شعبية تمكّنها من أن تروِّض الثور من ذنَـبهِ بعدما تعذّر ترويضهُ من قرنيـه .
لقد بات هذا الشعب في البيت أو في الشارع كان ، يرفض حتى الجنون ، أنْ يكون مشروع جثّـةٍ فوق قبـر ، وبات يرفض أنْ يكون قطيعاً من الخِراف يأتمرُ بأوامر الراعي وعصا الراعي وكلاب الراعي حتى ولو كان الراعي يقود القطيع إلى المسلخ .
صرخة الشعب الثائرة تحتّم على هذه الحكومة أن تخلع عنها ثوب التكنوقراطية ، فالبلاد في معركة بين الموت والحياة ، والمعركة تفترض ارتداء ثوب الرجولة ولن يهبط علينا رجالٌ أسطوريّون من الملكوت ، وليس هناك من يستطيع أنْ يَخْصي الرجولة عندما يقرّر الرجال أن يكونوا رجالاً ، والوزيرات في هذه الحكومة بهنَّ يصحّ القول : “لَفُضِّلتِ النساءُ على الرجالِ” .
قبل “الكورونا” وفيها وبعدها ، سرُّ الخلاص يكمن باستعادة الأموال المنهوبة : بها تُـثْبت الحكومة سلطتها .. وبها يصبح في هذه الدولة محاسبة ، وبها يرتدع الحكام عن السرقة ، وبها لا تكون الدولةُ لصّاً يسرق أموال المودعين ، وبها تنتعش الخزينة المنهوبة ، وبها يتبـدّد شبح رئيس جمهورية كوريا الشمالية الذي أمـر بإعدام الفاسدين وناهبي أموال الشعب رمياً بالرصاص مع زوجاتهم وأولادهم واسترداد ما نهبوه .
هذه الحكومة ، حسب التعريف في شهادة الولادة هي أشبه بحكومة المديرين التي اعتمدتها الجمهورية الفرنسية الأولى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة .
وحين فشلت حكومة المديرين أمام المشاكل الإقتصادية والعسكرية كان انقلابٌ يديره ثلاثة قناصل على رأسهم نابوليون .
وإنْ فشلت هذه الحكومة المشابهة وفي الظروف المشابهة فقد تتعرّض الجمهورية اللبنانية إلى لفظِ أنفاسها الأخيرة ، ولكن ، نحن ويا للأسف ليس عندنا نابوليون .
***
(*) جريدة الجمهورية 17/ 4/ 2020