وَلاّدَةُ أيّامِ زمان

Views: 1307

 جوزيف مهنا

وردةُ، ولاّدةٌ نُحِتَتْ على الـمُروءةِ، كثيرةُ العَوائِدِ، تَعَدَّتْ فواضِلُها في الستّينيّاتِ قُرى الجِوار. إنّها حقًّا لَعَلى وَفْزٍ(1) من أمرِها.

***

بولسُ، يُجرِّرُ ذَيْلَ السعادةِ إلى منزلِ وردةَ في القاطعِ الثاني من البلدةِ، فقد بَدَتْ تباشيرُ الصُّبحِ تَنصُبُ في مَفازةِ بيتِهِ أعلاما. وها زوجتُهُ هندٌ يُدرِكُها الـمَخاضُ، والطَّلْقُ يحتفِزُ الطَّلقَ، أُعلومَةً تَواضَعَ الحَبالى، وشَفّتِ القرائنُ، أنّ مولودًا يَسْتَقري أطوارَهُ في حَشا والدتِهِ، يَتَبيَّنُ نَسَمَ الطريقِ إلى الحياة. 

***

 

القابلةُ وردةُ، على أنّها لَحِيْمَةٌ مِبْدانٌ، عَضِلَةٌ، رَبْلَةُ الأَلْيَتَيْنِ رَجاحٌ، مُسْتَويَةُ القَدَمِ لا أخمَصَ لها، تَنْصَلِتُ بِفَخذِها اللفّاءِ العُجَيْلى سَرَعًا سَرَعًا إلى بيتِ بولُسَ مُلَبّيةً النِداء، فالهُوَيْنا، في هكذا مهمّةٍ أسْهَرَتْ لها قَلبَها، ليستْ من مواثيقها بشيءٍ، وممّا آلَتْ به على نَفْسِها، وعَتَقَت عليها يَمينًا لا يُخفَر. 

اتّسَمَتْ وردةُ واقتَسَتْ في زِيّها بِسِمَةٍ مازَتِ القوابِلَ القُدامى في الرّيفِ، عَفَتْ رُسُومُهُ، ودَرَسَتْ آثارُهُ، وطُمِسَتْ معالِمُهُ، ممّا تُحَدِّثُكَ بتَقادُمِهِ الظّنُونُ، حتّى ليُلْقى في رَوْعِكَ أنّه يَترامى إليكَ من وراءِ حُجُبِ الغَيْبِ فَتَسْتَشْعِرُ خَشْيَة. 

***

النِسْوَةُ الفُضولياتُ – أدامَ الله جُمعَةً – احتشَدْنَ منذُ ساعاتِ النّهارِ وزُلفَةً(2) من اللّيلِ، في دارةِ فارسَ بما لَهُنّ من آصِرَةٍ، ودالّةٍ، وأسبابٍ تُرعى، يَتَحَمَّلْنَ بمواهِبهنّ وتَعارُضِ الخواطِرِ بينهنَّ ما جازَ وُجوهَ النُصْحِ، ومَواقِعَ الرُّشدِ، وهندُ تتقلّبُ على ألِيْمِ ومَضيضِ مَخاضِها، بَرِمَةً بخُلْفِهنَّ، واضطِرابِ حَبْلِهِنَّ، وقد اغرَوْرَقتْ مآقيْها من تَصَبُّر وتجلّد. 

 

***

وفجأةً، دَبَّتِ الهَيْصَةُ وعلا الصِّياحُ: “وِصْلِتْ وردة.. وِصْلِتْ وردة”. 

ها هي وردةُ تَشُقُّ الصُّفوفَ خاطِرةً بِوَثاقَةِ الـمُقتدِرِ إلى غرفةِ مَنامةِ هندٍ، سائلةً الجميعَ إخلاءَ المكانِ لِضروراتٍ طِبيَّةٍ… موْجِبَة. 

***

الجنينُ في قُحمةٍ(3) من أمرِهِ، فقد تَوَعَّرَ تَمَوْضُعْهُ والتَوى، فَنَشِبَ في جَوْفِ والدتِهِ لِيَخرُجَ بعضُهُ، فيما استَمْسَكَ البعضُ الآخَرُ مُعْتَرِضا. 

وتجهَدُ وردةُ بما أُوتِيَتْ من دُربةٍ وحّذاقَةٍ في إنقاذِ الموقِفِ اللَّبِكِ الرَّبِكِ على حَيْرةٍ منها. 

– أَطلِقي يا هندُ.. أَطلِقي يا ابنتي، فجنينُكِ من الحَجْمِ – على اسم الله – ما يربو على وليدِ ستّةِ أشهر. 

***

وتُصَعّدُها هندُ استغاثَةً من الأعماقِ بمار الياسِ الحيِّ، جارِ الرِّضى، شفيعِ القرية. 

 

***

… وتُعْتَلَنُ البُشرى: صبـي… صبـي، ما شاء الخالِق. لِيَسْتَطيرَ الخُبْرُ استطارةَ البرق. فَتُسُومِعَ به للحالِ في أرجاءِ القريةِ، وسارَ على الأفواهِ أَسْيَرَ من مَثَل. 

***

وتُدارُ أَطباقُ الحَلوى والـمُرطَّباتُ والـمُعلَّلاتُ ابتِهاجًا بالمولودِ البِكْرِ السَّعيد. 

وتُعقَدُ حلقاتُ الدَّبكةِ لا إلى انتهاء!

***

فيا طفلاً لا يُقْدَحُ في صِدْقِه. 

إنّ لِسانَ أيّامِكَ الآتيةِ لَصُورَةُ قَلْبِكَ، 

فلا تخشيَنَّ في الحقِّ لَوْمَةَ لائِم، 

وأعِرِ الاخرينَ متى  شَبَبْتَ عن الطَّوْقِ جانِبَ الثِّقةِ، 

وتنزّهْ عن مَظانِّ الزُّورِ ونُسّاجِهِ. 

تَطمئنَّ لك النفوسُ،

وتصونَكَ الضمائرُ عن الألسِنةِ، 

ما أنتَ مُخلِصٌ لِمَبادِئِكَ، 

فلا تنطِقُ عليكَ بُطلاً،

وتكونُ حياتُكَ مزروعةَ السَّهْلِ بالخير!

 

***

أيْ بُنَيَّ!

حَسْبـي بك حَصيفًا أَريبًا، أرَدْتُ لو تَسْمَعَ صَوْتي!

ــــــــــــــ

  1. عجلة 
  2. طائفة من اللّيل
  3. الأمر الشاق. صعوبة
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *