الحلقة الخامسة عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

 كابي

(١٥)

في ذلك اليوم استيقظ حنا باكِرًا وقصد منزل سعيد من أجل أن يخبره أنه سيتوجه معه الى المدينة “سكارسا”. كانت هذه العبارة تعني حجز سيارة السرفيس من أجل قضاء مشوار خاص، أي استئجارها مع سائقها من دون مشاركتها مع ركاب آخرين.

العنوان: عاصمة المحافظة.

الركاب: حنا وأمّ بحر وبحر.

المكان المقصود: مدرسة خاصة في وسط عاصمة المحافظة.

الغاية من الزيارة: إدخال بحر المدرسة بدعم من الاستاذ رفيق.

كان حنا يشعر بغبطة عظيمة. فهذا هو اليوم المنشود الذي غيّر حنا من أجله مسرى حياته لكي يرسم لبحر طريق المستقبل على نحو يخرجه والعائلة من دائرة الفقر، ويجعل منه “شَغلِه كْبيرِه”.

سارت الأمور على ما يُرام في مكتب الاستاذ محسن الذي قرأ رسالة الاستاذ رفيق وأخبر حنا بأن هذا الأخير له الفضل في دعم مركز المدرسة الأساسي في العاصمة وذلك بفعل عمله في مكتب نائب. ومن ثمّ أحال الاستاذ محسن، بعد طرحه بعض الاسئلة على بحر والتي تتعلّق باكتشاف حضوره الذهني كطفل قابل للتعلّم، الى مكتب التسجيل في المدرسة لتسجيل بحر في العام الدراسي المقبل في أواخر صيف تلك السنة التقويمية.

في مكتب التسجيل فوجئ حنا بأمرين: رسم التسجيل السنوي ولائحة الأقساط. غير أن أمّ بحر شجّعته على المضي قدمًا في ما باشراه. تعليم بحر هو الهدف الرئيسي يا حنا قالت أمّ بحر. وأضافت: لا تَخَف، “مْنِقطَع عن تِمّنا وْ مِنعَلّمو”.

 (يتبع السبت المقبل)

***

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء