صمتُ القصيدة:
د. جان توما
غَزَلَ الصَّمتُ هنا قصيدته المستحيلة.
امتدّ البيتُ الأخيرُ إلى آخرِ العمرِ، ولم يقعْ على قافيةٍ أو رويٍّ.
ما زالَ جرحًا مفتوحًا على مدى الدربِ العتيقْ.
يسندُ هنا الجدارُ همومه على كتفّي جدار جاره في سمرٍ ليلي وتهامسِ آذانْ.
تراصَفَتْ حجارةُ الحيِّ القديمِ كالشُّهبُ في جبينِ العتمةِ.
هنا ممر الخيال، وملاعب الطفولة، وتهجئة الكلام الأول.
ماذا لو نزل القمر وجلس أمام هذه المصطبات وحكى ما رأته عيناه؟ لن تكفيه ألف ليلة وليلة، بل ألف عمر وعمر يغتسل في مآقي من آنس ملوحة هذه الأزقة وقمقمها الساحر.
قد تتسلّى النجوم بقرع أبواب البيوت الخشبيّة وتختبىء، وحين يفتح الأهل الباب ولا يجدون أحدًا، يغلقون الباب، فيما يقبضون في راحاتهم على سبحة نجوم تريد السهر معهم في بساطة عيشهم، وقناعة يومياتهم.
هنا سكينة السكون في عجقة الكون. من هذا الزقاق، وجوه خرجت إلى استراليا واوروبا وأميركا والبرازيل وغيرها، لكنه لم يخرج منها، فعلى الرغم من اتساع العالم الذي خرجوا إليه هناك، ما زالوا يحنّون إلى ضيق المكان هنا، لأنّه من مفارق أعمارهم الجميلة، يوم كانوا يختصرون الجميل، بكوب “سحلب”، أو “قمع” بوظة عربية يدوّية، أو دولاب غزل البنات يحرق سكّر الحياة، فيما يدور بهم ويدور في زمان العمر.
(*) بعدسة الفنان جاك أرتو
صمتُ القصيدة:
غَزَلَ الصَّمتُ هنا قصيدته المستحيلة.
امتدّ البيتُ الأخيرُ إلى آخرِ العمرِ، ولم يقعْ على قافيةٍ أو رويٍّ.
ما زالَ جرحًا مفتوحًا على مدى الدربِ العتيقْ.
د. جان توما
صمت القصيدة أم قصيدة الصمت؟
للصمت ، في كتابات الدكتور جان توما، مغزال يفتح جراح الكلمات. يغزل الشعر والحب والحنين.
تصبح القصيدة رسالة شعر حديث، بلا روي أو قافية. تذوب كلماتها عبق نور يشهد للظلام حرقة الخفر.
متى تصمت القصيدة؟
كيف يكتشف البوح عمق الندى، في مفازة النسمات؟
يجوع الصمت في براكين المساء.
يحترف الليل أحلام انتظار الشغف.
كيف يجرح البيت، في مسام الدهور؟
تصمت القصيدة حين تقرأ في تفاعيلها عبق الذكريات.
والذكريات صدى السنين الحاكي.
تصمت القصيدة حين تكتشف عمق نداء السماء.
تصمت القصيدة حين تولم المسافات عرس واحة الزمان.
وبين زمان القصيدة ومكان القصد الأسمى يكبر شغف صوفي، في خرقة الموج البنفسجي الأريج.
صديقي الدكتور توما، يا سيد الكلام، صمتك جمال، وصوتك اكتمال. وفي بردة الحب رياح أخر، ورهان.
د.جوزاف ياغي الجميل