كنا وكانوا

Views: 514

جان توما

ما كان باب الدار العربية هنا يغلق سابقًا، إذ يقودك المدخل إلى “الحوش” حيث تتوزّع على الطريقة الهندسيّة القديمة غرف، تسكنها عائلات في وحدة حال. هنا كان أبو طوني وزوجته يجلسان عند المصطبة حيث يتحلّق الجيران باكرا ومساء، أو يتسامرون في” الحوش” تحت أغصان شجرة الاكدنيا، أو تحت ثريّات عناقيد عنب عريشة الدار.

هنا كانت عرانيس الذزة تتراقص في الماء المغلي في حلّة كبيرة، قبل ان ينقلها إلى عربته الخشبية ذات الدواليب الثلاثة، يكرج بها في الأزقة القديمة وصولًا إلى شاطئ البحر، حيث يتهافت الناس على “العرانيس” اقبالهم على المآدب الفاخرة، لأنّها من طيّبات مطبخ البيت الميناوي  البحريّ.

في فصل الربيع كانت المصطبة مخصصة لسنابل حبات الحمّص أو ” الحاملة” بالتسمية الشعبيّة. من لم يذق طعم “الحاملة” المحروقة أو المسلوقة لم يستطب ما تتلمظه العين، وتغنّجه الشفتان، وتعزفه الأسنان لينزل بردًا وطيبّا في الأحشاء لتشعر بالحياة.

من لم يته في أزقة المدينة البحريّة، لم ولن يدرك معنى وجود الملح في قسمات الجبين،  ولا الهواء” الشرقيّ الذي “يقصّ المسمار”. كان الرصيف البحريّ ، بأعمدته الفرنسيّة، قبل قيام الكورنيش البحريّ، ملتقى الوجوه الأليفة، تخرج الأسرة فرحة،  يركض الاطفال بهدوء، فيما تكرّ عربات الرضع بأيدي الأمهات، ويتراقص العمر لطيفا، كما خيوط ” غزل البنات” في مغزل البياعين، وكتناقل ” عرنوس ذرة أبو طوني” الساخن بين الراحتين، تخفيفا من تقلبّات حرارة العمر الذي راح، والذين كانوا يجلسون هنا عند المصطبة ومضوا.

***

*الصورة للفنان جاك ارتو

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *