كَرَم ملحم كَرَم (الحلقة الأولى) حيويَّة الحضور الأدبي والصحافي

Views: 859

الدكتور وجيه فانوس

(رئيس المركز الثقافي الإسلامي)

إنماز “كرم ملحم كرم” بحيويَّة وجود رائعة وبمقدرة فذَّة على العطاء والإنتاج في المجالات الأدبيَّة والصفيَّة، على حدٍّ سواء. وكأن “كرم” كان يحدسُ، أنه لن يطول به العمر كثيراً على هذه الأرض، فإذا به يغرف من ذاته ومن فاعليَّات وجوده، ويغدق به شلالات بذل وأنهار منح وسواقي ندىً، يثري بها الحياة الأدبية والصحافية في بلده كما في دنيا الأدب العربي.

 

هي كلها، ست وخمسون سنة عاشها “كرم ملحم كرم” على ظهر الأرض؛ وها هي أكثر من ستين سنة قد مضت، وهو منزرع في شرايين تراب الوطن وفي صفحات الأدب والأقاصيص التي ينهل منها تلامذة المدارس وطلاب الجامعات إبَّان تحصيلهم المعرفي؛ ناهيك بتاريخٍ غزير الجود ما برحت تعتز بريادته الصحافة اللبنانية وتشمخ. 

ولد “كرم كرم”، يوم الخميس، الواقع فيه 5  آذار سنة 1903، في بلدة “دير القَمَر”، من قضاء “الشُّوف” من محافظة جبل لبنان؛ وسرعان ما توَّلت والدته، “سوسان الأسمر”، تربيته طفلاً، والعناية بجميع شؤونه فتىً، وذلك إثر وفاة والده “ملحم كرم”. حصَّل “كرم كرم” علومه الابتدائيَّة والإعداديَّة، طيلة تسع سنوات في بلدة “دير القمر، في “معهد الفرير” (الأخوة المريميين)؛ وقد درس فيه كذلك، في تلك المرحلة، ابن “دير القمر” الباحث الموسوعي العلاَّمة “فؤاد افرام البستاني”.

كان “نعوم سليمان افرام البستاني” (1885-1950)، من أساتذة “كرم”؛وهو الأستاذ والمرشد الذي سيترك، لاحقاً، أثراً واضحاً في تشجيع “كرم كرم” على الكتابة والعمل في الصحافة. لقد عمل نعوم البستاني، مدرسًا للغة العربية في مدرسة قرنة شهوان، ثم في “مدرسة الفرير” في “دير القمر”؛ كما عمل في المجال الصحافي، إذ أنشأ جريدة “دير القمر”، واشترك في إنشاء مجلة «صبا الصّبا» المدرسيَّة؛ كما كان رئيسًا لمجلس بلدية دير القمرووكيلاً لقائم مقام دير القمر.

انتقل، “كرم كرم”، من “معهد الفرير” في “دير القمر”، إلى مدينة “جونيه”، لتحصيل دراسة المرحلة الثَّانوية، في معهد للأخوة المريمين في المدينة؛ وتابع، بعد ذلك،  تحصيله العلمي، في “المعهد الأنطوني” في بلدة “بعبدا”؛ حيث أبدى تفوقاً ملحوظاً في الآداب العربية والفرنسية.

نعوم سليمان افرام البستاني

 

بدأ، “كرم كرم” نشاطه الصحافي، منذ مطلع شبابه؛ فكان يضع قصصاً ومقالات، وينشرها في جريدة “دير القمر”، لصاحبها نعوم البستاني؛ كما كان يساهم في أعمال التحرير في تلك الجريدة. وفي هذا ما يشهد لـ”كرم”، بخيال روائي خصب وقلم أدبيٍّ سيَّال، كما قد يشهد له باطِّلاع على أعمال روائيَّة عديدة من الأدبين العربي والفرنسي، ساهمت في إنماء موهبته وتوجيه عطاءاته في ميدان القصص والروايات، خاصة وقد عرف منذ صباه بتمكنه من اللغتين وآدابهما.

ما لبث “كرم كرم” أن وجد، في سنوات العقد الثاني من القرن العشرين، ترحيباً من صحف بيروت، لنشر بعض ما كان يضع من أقاصيص ويحبِّر من مقالات؛ فصار ينشر فيها، وبدأ اسم الصحافي والأديب “كرم ملحم كرم”، يشيعُ في الأوساط الصحفيَّة والأدبيَّة في لبنان؛ حتَّى أنَّ إحدى الصُّحف المصريَّة، عمدت إلى إعادة نشر إحدى أقاصيص “كرم ملحم كرم”، التي سبق نشرها في بيروت. وكان أن أعجب الشَّاعر بشارة عبد الله الخوري، الأخطل الصغير، صاحب جريدة “البرق”، الذائعة الصِّيت عهد ذاك، بكتابات  “كرم”، فدعاه إلى الكتابة في “البرق”. وانطلق، “كرم ملحم كرم”، من ثمَّ، يكتب في عدد من الصحف في لبنان، منها “الإصلاح” و”لسان الحال” و”الأحرار” و”الأحوال” و”الرَّاية” و”المعرض”؛ حتَّى تسنَّى له أن يكون متربِّعاً سعيداً على عرشٍ مرموق للقصَّة الأدبيَّة والصحافة في لبنان. لقد أثبتَّ واقع تلازم الأدب مع النشر الصحافي، وقد كان في أوجّه في النصف الأول من القرن العشرين في لبنان؛ مقدرة هذين العاملين على تأمين عوامل أساس للنهضة الحضاريَّة للشعوب. وإن في انطلاق المسيرتين الأدبية والصحافية لـ”كرم ملحم كرم”، في مطلع شبابه عبر النشر الصحافي، ما يضيء بقوة على أساس فاعليَّة هذا الارتباط بين الصحافة، من جهة، والأدب من جهة أخرى. ولعلَّ  ثمَّة من يتساءل في الزَّمن الرَّاهن، وهو الزَّمن الذي ما فتئ يشهد تراجعاً للنَّشر الصحافيِّ أمام النشر الالكترونيِّ بوسائط التواصل الاجتماعي، عن حقيقة إمكانيَّات هذا النَّشر الإلكتروني في خدمة الأدب، وإمكانيات الأدب في خدمة النَّشر الإلكتروني. وثمَّة حقيقة لا يمكن تجاهلها، في هذا السياق؛ فالشواهد ما انفكت تشير إلى القابلية الكبرى التي يختزنها النشر الالكتروني؛ بيد أنها لا تشير إلى مجالات تحقيق رصانة الاختيار التي تمتلكها، بصورة عامة، الوسائط الرصينة للنشر الصحافي التقليدي.

أصدر، “كرم ملحم كرم”، سنة  1928، مجلة أسبوعية قصصية أسماها “ألف ليلة وليلة”، لعلَّها رائدة المجلات القصصية العربيَّة في أيَّامها؛ واستمرَّ في إصدارها طيلة ست وعشرين سنة. تجاوز عدد القصص التي نشرها “كرم” في هذه المجلة، الألف قصَّة وقصَّتين؛ الأمر الذي دعاه إلى القول “اليوم انتصرنا على شهزاد”؛ وشهرزاد، كما هو معروف، هي راوية “ألف ليلة وليلة”، أما “كرم” فصار راوي لألف ليلة وليلتين! وإن كان من وريث فعليٍّ معاصر لمجلاَّت القصص والروايات، فلعله يتجلَّى في المسلسلات التي تعرض عبر محطَّات التلفزيون؛ ولعلَّ هذه المحطَّات تمتلك إمكانيات انتشار وطاقات جذب وتأثير، تفوق بمراحل كبرى، تلك التي كانت للمجلات الروائية.

فؤاد حبيش

 

أصدر “كرم ملحم كرم”، في سنة 1931، مجلة أسبوعية سياسية أسماها “العاصفة”؛ غير أنَّ السلطة الفرنسية المنتدبة على لبنان، عهدذاك، كانت تعطلها باستمرار؛إذ كانت الصحافة اللبنانية خاضعة، يومذاك، لقانون التعطيل الإداري؛ ويبدو أن “كرم ملحم كرم”، وقد اشتهر بقوة نقده، لم يستطع أن يحابي السلطة المنتدبة، ولم يقدر على مهادنتها، فما إلاَّ أن توقفت “العاصفة” بعد سنتين من صدورها.

شرع “كرم ملحم كرم” يكتب بعد توقف العاصفة في مجلة “المعرض”، لصاحبها فؤاد حبيش. كان “كرم ملحم كرم” من أنصار “عصبة العشرة”، التي تزعمها صاحب “المعرض”، وجعل من صفحات مجلته منبراً لهذه العصبة التي ضمّت عدداً من الكتاب والأدباء اللبنانيين الذين قاموا بحملة انتقاد قاسية على ما اعتبروه “القديم البالي” من الأدب العربي المعاصر.ولعلَّه من الطَّريف، ههنا، أنَّ”عصبة العشرة”، تأسست في بيروت سنة 1930؛وأن العدد الفعليّ لأعضائها لم يتجاوز الأربعة، إذ كان رئيسها”ميشال أبو شهلا”، وأعضاؤها “إلياس أبو شبكة”و”خليل تقي الدين” و”فؤاد حبيش”؛ أما الستة المتبقون، وهم “كرم ملحم كرم” و”يوسف إبراهيم يزبك” و”تقي الدّين الصُّلح”و”توفيق يوسف عوَّاد”و”عبد الله لحُّود” و”ميشال أسمر”،  فلم يكونوا أعضاءً فيها، بقدر ما كانوا مجرَّد أصدقاء لأعضائها الأربعة ومؤيدين لتوجهاتهم الأدبيَّة والثقافيَّة.ولعلَّ في هذا ما يؤكِّد أن الرؤيا الأدبيَّة ومفاهيم النقد الأدبي كما مبادئ النقد الثقافي، لا تستند إلى مبادئ حكم ديموقراطيَّة العدد، بقدر ما تنهض وتحقق فاعلية لها بارتكازها على وضوح الرؤية وسلامة الرأي والتصميم المصر على التجديد والنجاح في التغيير.

 

أصدر “كرم ملحم كرم”، في سنة 1932، مجلة “الأسرار”؛ وكانت مجلة بوليسية روائية مصورة، تناول فيها موضوعات من خفايا الأحداث التاريخية. صدرت “الأسرار”أسبوعيَّة؛ وحوى كلَّ واحد من أعدادها رواية. ظهر العدد الأول من “الأسرار”، في 32 صفحة،  يوم الجمعة، الواقع فيه 7  نيسان سنة 1939؛ ووردت فيه رواية “ملك اللصوص”.

يذكر الأستاذ وفيق غريزي، في العدد 276 – حزيران سنة 2008 من مجلَّة “الجيش”، أنَّ “كرم ملحم كرم”دعا في سنة 1933، في مجلة “العاصفة”،إلى إنشاء ما أسماه “الجامعة الأدبية في لبنان”؛ معلناً أن غرضه من هذه “الجامعة” رفع شأن الأدب والأدباء بتوحيد كلمتهم وجمع شملهم في رابطة؛ وقد يكون “كرم ملحم كرم”، في هذا، أوَّل من نادى بصورة عمليَّة إلى إنشاء اتِّحادٍ للكُتَّاب اللبنانيين.

قرّر “كرم ملحم كرم”،قبيل انصرام سنة 1953،التوقف عن إصدار مجلة “ألف ليلة وليلة”؛ ليخصص كل ما يمكنه من الوقت لطبع ما برح مخطوطاً من أعماله الروائية؛ ويبدو أن الرغبة في الشأن الصحافي ظلت تراوده، فعمد إلى الحصول على رخصة مجلة “المجالس”؛ وبدأ بإصدارها بالتعاون مع ابنيه، ملحم، وقد صار لاحقاً نقيباً للمحررين في لبنان، وعصام، الذي شغل منصب نقيب المحامين,

من أشهر ما وضعه “كرم ملحم كرم” من أعمال قصصية وروائيَّة، وفاقاً للتسلسل الأبجدي ومن ثمَّ الزماني:

  • أبو جعفر المنصور
  • أشباح القرية
  • أطياف من لبنان
  • أم البنين
  • أمُّك … دُنياك
  • انتقام الخيزران
  • بائع المعلل
  • بونا أنطون
  • جفاف الزيزفون
  • دمعة يزيد
  • الشيخ قرير العين
  • صرخة الألم
  • صقر قريش
  • الضفاف الحمر
  • عفراء
  • قطاف العناقيد
  • قهقهة الجزار
  • لبنى ذات الطيوب
  • اللحن الشرود
  • المجنون
  • المصدور
  • وامعتصماه

أصيب “كرم ملحم كرم” بنزيف داخليٍّ حادٍّ وغياب عن الوعي، إثر تعثره وسقوطه عن علو مترين، خلال تجواله في مصيفه في بلدة رشميَّا؛ يوم الثلاثاء الواقع فيه 29 أيلول (سبتمبر) 1959؛ وما لبث أن فارق الحياة.

   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *