الملحن محمود الشريف (1912-1990)… ثلاثون عاماً على صاحب نشيد “الله أكبر” و”على شط بحر الهوى” وخطيب أم كلثوم
سليمان بختي
يعتبر الملحن المصري محمود الشريف من ابرز الملحنين المصريين في جيله. عُرفت ألحانه بالتنوع وفي مقاربة أصوات غنائية مختلفة وحساسية مميزة قادرة على تطوير الأغنية العربية ما جعله يحتل مكانة راسخة في الموسيقى العربية. هو صاحب نشيد “الله اكبر” الذي وضعه أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وظلت إذاعة صوت العرب من القاهرة والإذاعة المصرية تبثانه وكان له اكبر الأثر على النفوس ورفع واستنهاض الهمّة الوطنية.
ولد محمود الشريف في حيّ باكوس في الإسكندرية. وكان والده يعِده ليصبح رجل دين وتلقى علومه الأولى في الكتّاب وحفظ أجزاء القرآن ثم انتقل إلى مدرسة (حجر النواتية) ولم يكن مقبلاً على الدراسة بل اهتم بالرياضة البدنية ومارس المصارعة وشارك في عدة مسابقات محلية ودولية وفاز بالميداليات.
أصابته في مطلع شبابه صدمة عاطفية قوية فتحوّل من الرياضة إلى الموسيقى بتأثير من شقيقه إسماعيل العازف على الترومبون في قصر الأمير عمر طوسون في الإسكندرية. تعلم العزف على العود على يد محمد بك فخري وجورج طانيوس. ثم تعلم أصول الغناء على يد فؤاد محفوظ وعلى يد الشيخ علي الحارس وخصوصاً الأدوار والموشحات القديمة. مكّنه هذا التأسيس من العزف والغناء للانضمام إلى الفرق الموسيقية حيث كان يغني ألحان سيد درويش وداوود حسني وكامل الخلعي والعمل مع الإذاعات المحلية.
عام 1937 انتقل إلى القاهرة واتجه إلى معهد فؤاد الأول للموسيقى ليدرّس فيه. سمعت اللجنة عزفه وغناءه وطلبت إليه أن يغني وهو واقف فرفض. وبعد عامين أرسل له المعهد كتاب تعيينه عضواً في اللجنة الفنية للمعهد.
وجد محمود الشريف تشجيعاً له في الإذاعة المصرية وكانت أول أعماله للمطرب محمد عبد المطلب (بتسأليني بحبك ليه) والرائعة “ودع هواك وانساه، عمر اللي راح ما حيرجع تاني”.
صنعت تلك الألحان له شهرة وخطأً متميزاً في اللون الشعبي. عمل أيضاً في فرقة بديعة مصابني ملحناً ومغنياً وهناك التقى بالكبار فريد الأطرش ومحمد فوزي وأحمد الشريف وغيرهم.
ظهر إبداعه في الإذاعة المصرية من خلال تلحين الصور والبرامج الغنائية بالاذاعة المصرية. ويعود ذلك لخبرته في حفظ تراث المسرح الغنائي الذي حاول الشريف من خلال تلحينه لتلك استعادة المسرح الغنائي في مصر.
تبقى هناك قصة في حياته يكتنفها الغموض والالتباس وهي حكاية زواجه من أم كلثوم. ذكرت هذه القصة في مسلسل “أم كلثوم” (1999) الذي تناول سيرة “كوكب الشرق”. ولبثت مع ذلك فصولها غامضة. ذكرت مجلة “الصباح” القصة أولاً في نهاية عام 1946 ونقلت المجلة أن محمود الشريف سألها في أحد مقاهي شارع الهرم: “ايه رأيك لو نتجوز على سنّة الله ورسوله؟”. فأجابته: “ما عنديش مانع يا محمود، هو مش أنت راجل زي كل الرجالة، وأنا ست زي كل الستات. أنت أول فنان كانت عنده الجرأة يطلب مني الطلب ده”. وتمّ شراء (الدبل) خاتمي الخطوبة. ثم قيل إن أم كلثوم تغني من ألحان محمود الشريف قصيدة من نظم ابراهيم ناجي مطلعها: “أصبحت من يأسي لو أن الردى/ يهتف بي صحت به هيا/”. ويقال إن أم كلثوم طلبت من محمود الشريف تلحين “شمس الأصيل” ولحنها ولم تغنها أم كلثوم بل غنّتها بلحن رياض السنباطي (1955). ويؤكد الباحث محمود زيباوي أن أم كلثوم لم تغني من الحان محمود الشريف، وإن قصة الزواج انتهت.
بعد شهر من إذاعة الخبر. ولكن في مقابلة مع محمود الشريف نشرتها مجلة “أهل الفن” (1955) قال إن قصته مع أم كلثوم كانت سحابة صيف. وأوحي بأنها لم تتعدّ مرحلة الخطوبة. وأوضح: “إنني لا أحب الحديث عن أم كلثوم ولا أفتح الراديو حين تغني. إنني أعيش مع زوجتي وطفلتي في سعادة وهدوء”. ويؤكد الناقد المصري طارق الشناوي أن “الموسيقار محمود الشريف كان خطيباً لأم كلثوم بشكل معلن عام 1946”.
لحن محمود الشريف عشرات الأغاني للمطربين والمطربات في مصر. لحن لسعاد محمد (يا ناس أيامنا) و(قولولهم) ولسهام رفقي (اليوم يومك) و(يا ارض العروبة) ولحن لشادية (حبينا بعضنا) و(حكايتي معاك) و(يا ولاد حارتنا) و(مع ألف سلامة) وغيرها. ولحن لوردة (زقزق العصفور) و(يا طير الحما) ولحن لشريفة فاضل (يومين ثلاثة) و(سكة حبيبي) ولصباح (وهبتك حياتي) و(شمس وقمرين) ولفايزة أحمد (قول يا عزول) و(يا ليل كفاية حرام) ولفايده كامل (أتوب وأرجع لكم) ولفتحية أحمد (ليالي رمضان) وليلى مراد (اسأل عليا) و(اطلب عينيه) و(من بعيد يا حبيبي- كلمات بيرم التونسي) و(يالا تعالى اوام يالا) ولمها صبري (حاسبوا علينا) ولنجاة الصغيرة (اوصفوا لي الحب) ولنور الهدى (جوه عينيك) ولنازك (تسابيح) و(بين الهرم والحرم) ولهدى سلطان (عقد الياسمين) و(وحياة عينيك) ولياسمين الخيام (أي والله) ولحن لعبد الغني السيد (البيض الإمارة) و(أنا وأنت في الهوى) ولعبد الحليم حافظ (يا سيدي امرك) و(حلو وكذاب) ولكارم محمود (عيني بترف) و(على شط بحر الهوى) ولمحمد رشدي (ع الليالي) و(العيون السود) و(وحوى يا وحوى) وغيرها. ولمحمد ثروت (ح اكتب جواب) ولمحمد قنديل (زي البحر غرامك) و(ثلاث سلامات) و(كل ما أفكر فيك).
فاز محمود الشريف بجائزة الدولة التقديرية عام 1990 وتوفي في السنة عينها في القاهرة. كرّمه مهرجان الموسيقى العربية الأول بدار الاوبرا الإسكندرية في آب 2005 ولا تزال بعد ثلاثين سنة على غيابه تتذكره الأغاني الجميلة، التي لحنها والتي عبّرت بصدق عن حساسيته المتميزة ورهافة جمله الموسيقية ووضوح هويته الشرقية الأصيلة.