يعقوب لبان: بالريشة والكلمة

Views: 654

زياد غالب

بعد نشر جان توما مقاله عن الدكتور الإنساني كتبت ورسمت الآتي:

إلى روح الدكتور يعقوب لبّان!اليوم رسمت زقاق بيت اللبان… و”حكيم الفقراء” عائداً في الليل إلى منزله (كما تخيّلته) وحقيبته الجلدية لا تفارق يده… شمسية سوداء لإتقاء المطر ومهمة تلو مهمة، أمضى هذا الرجل حياته في خدمة أهل مدينته… 

————-

كنت أمسك بيد أمي، وأشدّ عليها كلما اقتربنا “منه”!!! ولا أفلتها إلّا وقد ابتعدنا باتجاه بيت جدي القريب:

– إنه “التمثال”!!!

لقد كان وربما ما زال التمثال الوحيد في مينائنا الصغير، تمثال نصفي من البرونز، لونه مائل إلى الرمادي بسبب عامل التأكسد القوي لملوحة الجو… “ينظر دون حياة” إلى المجهول وكأن العابرين بقربه… في دنيا وهو في دنيا ثانية، لا يأبه لمرورهم وربما لا يأبه لوجودهم حتى!!!

كنت أخاف منه.. وحكماً، لم أُطِل يوماً النظر إليه! أتى يوم وعبّرت لجدتي عن خوفي وإمتعاضي “منه”:

– “تيتا؟؟ ليش حاطينه هون؟؟ تا يخوّفوا الولاد الزغاااار”؟؟؟

ضحكت ستي، و”زبطت قعدتها” وانطلقت في حديث طويل لا ينتهي عن مآثر “الدكتور يعقوب لبّان” التي كانت زوجته صديقتها، ذاكرَةً أياديه البيضاء على أهالي الميناء من الفقراء الذين كان يلبّيهم بكل طيبة خاطر، دون تذمّر أو تأفف ودون… أجر!!!

– “هيدا حكيم الفقرا يا ستي، كل أهل المينا بيحلفوا بحياتو، مسلمين ومسيحيين، ما كان يفرّق بين الناس، محب للجميع، خدوم، طيّب وذو أخلاق عالية… يومِلّي مات.. كل الناس بكيت عليه.. والكل طلع بجنازتو.. وبعد فترة سمّوا الساحة بإسمه وحطّو بنصفها تمثالو.. ما تخاف منه أبداً.. بالعكس.. كان رجّال آدمي كتير، الله يرحمو، وطبّب كل ولاد المينا ببلاش”!!!!

من يومها.. حبيتو “من بعيد لبعيد”، مع عدم الجرأة للنظر في عينيه.. أي عيني التمثال… إلى أن كبرت قليلاً.. فوجدته لطيفاً مع نظرة وديعة وإبتسامة خفيفة سعى النحات جهده من خلالها لإظهار… طيبة الرجل!

اليوم، ألتقي به عند كل صباح وأنا ذاهب إلى عملي.. ألتفت إليه.. أحياناً أترحّم على روحه الطاهرة أحياناً أتذكّر جدتي… ودائماً أتجنّب النظر في عينيه… ربما هو خوف “عشش” في قلبي منذ الصغر أو ربما خجلاً من رجل… قلّ مثيله في زمننا هذا!!!

***

 

MINA collection

‏Haret AL-LABBAN

‏Acrylic on canvas

‏55×90 cm

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *