سجلوا عندكم

بين مجهود ومجهود

Views: 316

خليل الخوري

يُذكّرنا وضعنا الاقتصادي – الحياتي هذه الأيام بالوضع الذي ساد مصر بعد «النكسة» (1967) أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فقد عاشت حقبة «المجهود الحربي» التي استمرت إلى جزءٍ من عهد الرئيس الراحل أنور السادات وقد افتقدت الكثير من المواد الغذائية والضروريات. وما توافر منها كان سعره فوق قدرة المصري على شرائه.

نحن بدأنا نكون على أعتاب وضعٍ مماثل، مع فارقٍ أننا لسنا في «المجهود الحربي» إذ يتحوّل القرش الأبيض (إذا توافر) إلى مصلحة القوات المسلّحة. إنما نحن في مجهود الشعب لخدمة الفاسدين والمرتكبين وآكلي أموال الناس ومهرّبيها إلى الخارج أيضاً.

المهم أننا في هذه الحال: سعر الدولار الأميركي لامس أمس، في السوق السوداء، الـ6,000 ل.ل. ولن نُكرر ما كتبناه غير مرّة عن هذه السوق وكيف لا تزال ناشطةً ويتعامل معها المواطن الذي تصله حفنة دولارات من قريبٍ مهاجر، بينما تعجز الدولة عن مكافحتها جذرياً، مع تقديرنا لجهود الأمن العام في هذا المجال.

وبانتظار أن تقوم حكومةٌ تنجح باسترداد الأموال المسروقة والمهرّبة (إذا صحّت الأرقام التي يتداولونها) وتستطيع أن تزجّ بالفاسدين والمرتكبين في السجون، نود أن نسأل:

كيف يُعقل أن يكون العجز في ميزاننا التجاري نحو 17 مليار دولار؟ إذ إننا نصدّر في الظروف الطبيعية بأقل من ثلاثة مليارات دولار ونستورد بنحو 20 ملياراً! وهو فرقٌ شاسعٌ كفيل بكربجة اقتصاد عالمي كبير (نسبةً إلى عدد السكان).

يحدث هذا في وقتٍ غابت الاستثمارات الأجنبية في لبنان بشكلٍ شبه تام. والأنكى أننا نستدين لنستورد. ولغيرنا أن يتحدّث فيطالب بوقف دعم المواد الغذائية الأساسية ما يزيد إرهاق الفقير، وقد بات معظم الشعب في الفقر وتحت خطّه، فإننا نسأل أيضاً:

لماذا لا نزال نستورد سلعاً، أياً كان نوعها، نحن قادرون على إنتاجها وبنوعية لافتة؟ لماذا نستورد منتجات البلاستيك ولدينا صناعةٌ متقدمة فيها؟ ولماذا نستورد المواد الكيماوية ونحن نصدّرها إلى بلدانٍ عدة؟ ولماذا نستورد الأدوية وما نصنّعه في لبنان منها يحظى بشهادة وتنويه أعظم المختبرات وأكثرها دقّة في العالم؟ ولماذا نستورد المياه المعلّبة ونحن بلد المياه؟ ولماذا نستورد الفاكهة والخضار حتى من بعض بلدان الخليج ونحن منبتها بامتياز؟ وبالذات لماذا نستورد التفاح من كاليفورنيا وإنتاجنا منه يُحال إلى النفايات وهو فريد المذاق؟ ولماذا نستورد الأحذية من إيطاليا إلى الصين وصناعتها متفوّقة عندنا؟ ولماذا نستورد الملابس ومصانعنا تنتج الأفضل؟ ولماذا نستورد المواد والأجهزة الكهربائية وكنّا سبّاقين فيها منذ أواسط القرن العشرين الماضي؟ ولماذا نستورد المجوهرات وصناعتنا منها نصدّرها حتى إلى سويسرا؟ (…).

لو فعلنا ذلك ألا نكون قد أسهمنا في توازن الميزان التجاري وخففنا من الضائقة، وقللنا من «العنطزة» الفارغة، علماً أن الاستيراد كله تقريباً بالعملة الصعبة؟!.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *