“فشّة خلق”…

Views: 714

لميا أ. و. الدويهي    

غالبًا ما يحتاجُ الإنسان إلى مساحةٍ للتَّعبير ولـ«فشّة الخلق» وتحديدًا حينَ يشعرُ بأنَّ الكيلَ قد طفحَ من أحدِهم أو من أمرٍ ما، كُلٌّ بحسبِ طاقتهِ وحتَّى تركيبتِهِ…

لذا غالبًا ما نجدُ أنفسنا نتحدَّثُ عن صعوبةِ التَّعامل أو التَّواصل مع أحدهم، وقد نصفُ «هذا الآخر» بكلمات، قد نقصدها وقد لا نقصدها، نستعملها كتنفيسةٍ عن احتقانٍ في داخلنا تفاقمَ مع الوقت، وكثيرًا ما نعتمدها لتخطِّي المسائل، علمًا أنَّها ليست دائمًا بصائبة… 

من الطبيعي، أن نُصادفَ أناسًا قد تمرَّسوا بضبطِ النَّفس ووصلوا إلى مرحلةٍ يستطيعونَ من خلالِها ضبطَ انفعالاتهم والسَّيطرة على مشاعرهم والتعامل مع المواقف ببرودةِ أعصاب، من زوايا مختلفة، قد يكونَ فيها عُمق أو مجرَّد تجاهل…  علمًا أنَّ التمرُّس بضبطِ النَّفس عملٌ يتطلَّبُ إرادةً قويَّة ومُثابرة وربَّما وقتًا أو زمنًا طويلًا…

إلَّا أنَّ ما أودُّ تَوضيحه: عندما نسترسلُ بغضبنا من «هذا الآخر» ونُمعنُ بوصفِهِ وربَّما نُسيءُ إليه بالكلام أمام طرفٍ ثالث، قد ندفعُ بهذا الأخير، لتكوينِ صورةً خاطئة عنه، قد تؤثِّرُ على علاقتهما، عند أوَّل عائق، إن كان هناك ثمَّة ما يجمعُ بينهما هما أيضًا، أو يدفعُهُ لعدمِ التَّواصلِ معه في حال حُدوثِ لقاءٍ ما…

موجةُ غضبنا هذه سرعان ما تنتهي وقد نتصالحُ مُجدَّدًا مع «هذا الآخر» وتعودُ المياه إلى مجاريها بيننا… ولكن قبلَ حصولِ ذلك، نكون قد أسأنا إلى شخصه كي لا نقولُ أنَّنا قد شوَّهنا سمعته حين استرسلنا بانتِقادهِ بسبب موقفٍ، لو لم يكن عابرًا أو عرضيًّا أو جانبيًّا، لما عدنا وتواصلنا معه…

ما أودُّ قولهُ أنَّهُ من المهمّ التعبير عن الذات عندما ينتابُنا الشعور بالاستياء، ولكن الأهم هو مُصارحةُ الشَّخصِ المَعنيّ مُباشرةً، بدلَ من تَنفيسِ الغضب في غير محلِّه؛ فعندما حدثَ الخلافُ وتفاقم، حدثَ مع «هذا الآخر» وليس مع طرفٍ ثالث…

تبقى النوايا في القلوب هي التي تُزكِّينا أمامَ أحبابنا… ولكن وجبَ الانتباه إلى الطريقةِ التي نُعبِّرُ فيها، فمتى انتهينا من مشكلتنا معه وتخطَّيناها، نكون قد تركنا الطرف الثالث عالقًا في الصُّورةِ التي رسمناها عنه، بلحظةِ غضب… فهو لم يختبرِ الموقف ولم يكن يعرف مجريات الأمور والأحداث، وقد يكون أمينًا ومُلتزمًا بعلاقتهِ تجاهنا، مهما كان نوعها، لدرجةٍ أنَّه قد لا يتقبَّلُ فكرة مُصالحتنا مع «هذا الآخر»، لمجرَّد أنَّه قد تلقَّى كلامًا قلناه بلحظةِ انفعال وربَّما عدم وعي، بينما تلقَّاهُ هو منَّا، أي الطَّرف الثالث، بوعيٍ وبهدوء، ما جعلهُ أسيرًا لأفكار خرجت منَّا بلحظةِ «فشِّة خلق»…

٣٠/ ٥/ ٢٠٢٠

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *