درب القمر

Views: 1543

د. جان توما

تتمشّى في تلك الأماسي قرب درب القمر في فيع الكورة فتراودك ألف خاطرة وخاطرة . تلك الدرب شغلت قلب الكاتب فؤاد سليمان ( 1911-1951) وسكنت خيالاته فكان كتابه ” درب القمر” هويّة له وتعريفًا بكنوز الريف وحلاوات القرية.

من لم يسر في تلك الدروب الجبليّة لن يدرك عظمة القادومية والطرق الترابية بين شتول الأرض وشجيرات الزمن العتيق،

لم يخترع فؤاد سليمان درب القمر بل لاحظه. خفق قلبه له، فأتقن إيقاع خطواته فيما كان يكرج مع القمر من فوق التلال على درب القمر، إلى وادي الحياة الذي يلاطف قدميه بحر  جبل الشقعة.

حين رفع “ايلي ونينا” بيتهما جعلا عنوانه: درب القمر وجعلا نوافذه المقنطرة تطلّ كيفما التفت إلى هذا الدرب كي يشعرا مع ضيوفهما أنّ القرية ما زالت بخير، وأنّ الشمس عند المغيب تعرف كيف تنشد نشيد سفرها حيت تتمطى على سطح الماء المالح رافعة شراع السفر، فيما دير سيّدة النوريّة أعلى جبل الشقعة يلوّح ببخوره صلاة ابتهال لحفظ الدساكر والقرى التي تضيء قناديلها كأضواء السفن المسافرة إلى الأفق.

تبقى للقرى جمالاتها ولو غزاها الباطون، ولو جفّ عين الماء ونشفت السواقي المحيطة. يقول فواد سليمان: ” تسألني : وماذا عندكم من الخير في ضيعتكم بعد ؟عندنا ضوء القمر والنجوم… نعمة من السماء… وعندنا من الخير، هذه المقبرة التي يرقد فيها أولئك المباركون الأتقياء”.

راح فؤاد سليمان من الحياة إلى الحياة، لأنّ ضوء القمر ينتشل الموتى إلى ضيائه في درب أَلِفَ الوجوه وأَلِفّتهُ. هنا ليالي السهر وشدو البلابل وجلسات الصفاء. درب القمر لا يقودك إليه بل هو سمير النازلين دربه وسط الكروم وعبر الجلول.

فؤاد سليمان كتب اسمه على تراب درب القمر. سرق القمر اسمه والعمر، وبقي الدرب محجوزًا لذاك القمر.

 

(*) غروب شمس درب القمر بعدسة جينا متى زكّور ( من صفحتها الفايسبوك)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *