يا قمر مشغرة

Views: 1358

د. جان توما

هل ذقت هناءة النوم على سطح البيت العتيق؟ أنت ممدّد على فراش بسيط مع غطاء يقيك لفحة البرد، فيما كرمة العنب تتوهج على مسندات من حديد او خشب، وتراقب القمر بعينيك قبل أن ينزل إلى جرني جفنيك ليستحم بدمع البؤبؤ وحلاوات العيش لتغفوَ وتنعم بأحلام كعناقيد من ذهب.

ما أجمل غفوة الفلاح تحت سنديانة حقله والدنيا معجوقة بأحوالها. له الدنيا ولا دنيا تسع أحلامه الممزوجة بتراب الأرض وسنابل السهل والتلال التي يطلع إليها مشيّا قمر مشغرة كلّ مساء ليجلس فوق على عرشه فيما القادوميات ترسم خطى المتسامرين وأدمع الغياب.

تذكرت زكي ناصيف وهو جالس على سطح بيته يرقب قمر “مشغرة”. يدندن له فيجاوبه بمواويل الليل وسكونه. يطلع الضباب من “وادي التيم” على رنين ناقوس الذكريات في بال زكي ناصيف وخاطره. لكلّ منا القمر نفسه ولكن الشّوق إليه مختلف وكذلك النظرة. كأننا كاميرات ترصد القمر نفسه ولكن كلّ من معراجه، ومنعطفات قلبه، ومفارق حنينه.

قمر مشغرة مائي شفّاف على اسم “مشغرة” التي يأتي جذرها من اللغة الفينيقيّة “مشغر”، الذي يفيد عن تدفّق الماء وسيلانه وهي مشغرة لشغورها بالمياه.كأنّ الصبيّة التي مرّت من هناك سألها شهاب بارق نقطة ماء بعدما ملأت إبريقها زلالًا، ناولته الإبريق ليطفىء شيئا من لهيب شوقه، مسح بيده ثغره، فابتسمت له بعينين مائيتين، سقطت قطرة من بين أصابعه فتناثرت نجومًا وبقعة قمر.

هذا القمر سقى خيال زكي ناصيف وروى عطش الأخوين رحباني. أين راح ذاك القمر؟ باقٍ في سحره، لكننا فقدنااللمع في أعيننا، وغاب برقها وزاد صمتها.

“قولوا إنشالله القمر يبقى مضوي وقمر

لا يطال عزه حدا ولا يصيب وجهه ضيم.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *