في التجريب الصحفي (2)

Views: 853

محمّد خريّف

تحوّلت بقرار وزيري من ثانوية  ابن رشد إلى معهد ابن شرف في الثلاثية الثانية من العام الدراسي1962-1963 ولا أعرف إلى حد الآن دواعي هذه النقلة ؟ هذا و علقت بي منذ ذلك الحين في معهد ابن شرف (لحيّ الزّيتوني) دودة الطيش الصحفي وسبيله الظهوربلقب معروف في الصحافة والكتب المدرسيّة إلى أن عرفت بهذا اللقب بين أندادي في ذلك المعهد حيث لم تر الإدارة مانعا في التخلي عن لام التعريف التي هي في الواقع لام تنكير،وغدا عندي شعور بأنّي معروف أو يمكن أن أكون معروفا مثل سيدي مصطفي خريّف و عمّ البشير خريّف ولا صلة دموية لي بهما فأنا من سلالة الزراعة وهما من سلالة الأدب،  لكن رغم ذلك فقد تعلقت بالصحف والمجلات من جديد واقتفيت أثر البحث عن الصحف والمجلاّت القديمة في نهج الدباغين ونهج زرقون وكان يستهويني العثورعلى مقال مهمل في صحيفة مّا أو مجلة مّا يذكر فيها اسم قريتي منزل حر خاصة  أو الوطن القبلي عامة .

كنت أقتني يوم الأحد بعض الصحف الصادرة في ذلك الوقت و هي قليلة جدّا لا تتعدى الصباح ولابريس والعمل ولاكسيون (حيث كانت تعلّق نسخ منهما للعموم في واجهة جريدة الحزب الحاكم تفتح على نهج رومة..). كان ولعي بالصّحافة قد طغى على اهتمامي بدروس معهد ابن شرف واكراهاتها آنذاك فدفعني الطيش الصحفي الى المضي في مراسلة  الصباح وغيرها من العاصمة ومن قرية منزل حر حيث كنت أنشر بعض المقالات النقدية الاجتماعية في بريد القراء منذ  1965 ثم بصفحة الشباب التي كانت تصدر كل يوم أحد ويشرف عليها الصحفي حسن حمادة، كنت ألتقي به من حين إلى آخر إما في مقر الجريدة بنهج علي باش حامبة أو في مقهى لونيفار القريبة من مقر جريدة الصباح في الليل خلال شهر رمضان-وكان رئيس تحرير الجريدة في ذلك الوقت الهادي العبيدي يساعده عبد الجليل دمق ولا أعرف من المحررين سوى محمّد عرفة منسية وصلاح العامري وحسن حمادة.

معهد ابن شرف بتونس

 

استمررت في التردّد على جريدة الصباح سنوات إلى أن أخفقت في نيل شهادة البروبطوار عام  1965 وأطردت من الدراسة نهائيا من معهد ابن شرف لتكرر الرسوب  فاضطررت إلى العمل بصفة قيّم في معاهد عديدة اذكر منها معاهد منزل تميم ونابل وقرنبالية وباب الخضراء وقرطاج الرئاسة وابن شرف والزهراء، لكن لم افقد الأمل في مواصلة الدراسة والمشاركة في الباكالوريا الفرنسية بليسي كارنو واللجزائرية بقسنطينة والتونسية بمعهد مونفلوري بتونس فكان لي أن حصلت على شهادة باكالوريا آداب في جوان  1974 بعد أن تهيأت لها بمساعدة أسرة المعهد الفني بنابل وكذلك معهد الفتيات بنابل بعد أن فصلت عن مهنة مراسل خاص للصباح بنابل لاتهامي بعدم الانضباط الذي يحرج الجريدة ويحرج المسؤولين في جهة نابل وذلك اثر نشر مقال”حافلة كاملة لنقل طالب واحد” . هوسي بالتطفل على مهنة الصحافة لم يفارقني ولم يقطع صلتي بدابرالتردّد على الصّحف ولاسيما الصباح  حيث نشرت تحقيقات منها ما يتعلق ب قطار ت-ج-م- وقطار تونس الجنوبية – فهذا الهم بمشاغل الناس شغلني إلى أن استهوتني الكتابة عن أحوال الناس بأسلوب أدبيّ عرضني أحيانا إلى المشاكل وردود الفعل النفسية والمادية  بل إلى المحاكم كان من أهمها تنفيذ قرار هدم في بيت لي كنت انوي الاصطياف فيه- لكن دودة الصحافة  لاتزال تنغل فتجعلني أتردد على بيوتها من حين إلى آخر وقد  آتيها ولا تأتيني – هي هواية لم أربح منها إلا الأتعاب. وهي عندي هواية بل خدمة اللي ماعندو خدمة.صرت في الأثناء إلى عملي الجديد أستاذا للتعليم الثانوي بمعهدي منزل بوزلفة ومنزل تميم ولماّ أقطع صلتي بالهوس الصحفي أو الطيش الصحفي، فقمت بريبورتجات وتحقيقات  لجريدة الصدى من الهوارية وسيدي حسون و الميدة وسيدي جمال الدين وغيرها من الأماكن في الوطن القبلي والشمال الغربي وتونس العاصمة. حاولت أن أتخلى عن هذا الطيش الصحفي وقد رافقني في كامل رحلاتي في الداخل والخارج إلى أن أصبح ما أحبره مجلبة للمشاكل والنبذ الاجتماعي اذ لم يمر بعض المقالات الصحفية دون استنكار من السلط الإدارية والحزبية التي كانت تكتفي في زمن بورقيبة بالتخويف وربما بالطرد من خطة مراسل  صحفي خاص لجريدة الصباح بنابل في أوائل السبعينات وهو طرد نفعني من حيث لا أدري إذ تخليت قسرا عن ممارسة طيش الصحافة لمدة أشهر قليلة كافية لتمكنني من الحصول على شهادة البكالوريا”آداب” في جوان عام 1974.

(يتبع…)

***

 (*) كاتب من تونس

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *