حوار ضبابي

Views: 850

د. جان توما

يطلع الضباب من الوادي كما ضوع الياسمين رويدًا رويدًا. يطفر كالأيائل على أطراف الجلول ويعلو سهلًا سهلًا وتلّة تلّة.  في جعبته صنارتا صوف يغزل الثوب الأبيض  وتتفجّر على نوله العتيق دودة القزّ حريرًا فوق حرير.

في إهدن، تنزل الشمس نهارًا في سواقي الأقنية وأفواه الينابيع، وعند الغروب تتراقص نغمات مزمار الضباب بغلالة من ضوء،ملقية بتحنان، على كتفيك، شالًا مشغولًا بدروب السفر ومناديل السهر، لتقيك لفحات البرد المنعش.

هي عشيّات من الرسوم الطبيعية المرتجلة. هنا يروح الغمام كلّ مساء، بودّع بنيه على المفارق، وعند عيون الينابيع ومجاري المياه، يتركهم يذوقون تشرّد الضباب وصياغة المشاهد الساحرة.

من هذه الأماكن تخرج القصائد الجميلة وعازفات القيثارات ورواة الحكايات. من هنا يسير عازف المزمار الساحر  حيث يجري الضباب وراءه ينثر من أنفاس المزمار شيئًا من تلم المواويل التي تستحيل عبّارات للزمن في ذاك الوادي السحيق.

حين يخفي الضباب أشكال الأشجار ويمحو خطوط الدروب تبرز العيون كقناديل على أطراف كوّات البيوت، كالخارجين من عباءاتهم إلى المنتهى حيث ترسم بأناملك العالم المشتهى.

 

(*) الصورة لبلدة إهدن مع زحف “الغطيطة”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *