حوار

Views: 255

 سلمان زين الدين 

 ذاتَ ليلٍ،

سَمِعَ الشّاعر همسًا

بينَ روحٍ وَجسدْ.

قالَتِ الرُّوحُ بِدَلٍّ:

 أنتَ لولايَ تُرابٌ مَيِّتٌ،

ليسَ فيهِ أيُّ نورٍ،

أوْ حياةٍ،

أوْ مَدَدْ.

فَأَجابَ الجسمُ فورًا

أنتِ لولايَ سَرابٌ،

لا تَراهُ أيُّ عينٍ،

 أوْ يُناديهِ أَحَدْ

 

 

فَأَنا الجسمُ الَّذي يُعْطيكِ

شَكْلًا وَحُدودًا وَعَدَدْ.

وَأَنا الدِّرعُ الَّتي تَحْميكِ

في السُّرِّ أو في الضُّرِّ

إذا ما أطلقَتْ أرزاءَها

قوسُ الزَّمَنْ

وَأَنا الثَّوبُ الَّذي يَبْلى،

على الدَّهرِ،

يُواري عُرْيَكِ الشَّفّافَ

عنْ خُضْرِ الدِّمَنْ

وَإَنا فِرْدَوْسُكِ المفقودُ

وَالموجودُ، مُذْ كُنّا،

أَنا البيتُ الوَطَنْ

 

 

فَلِماذا تُعْلِنينَ الحَرْبَ

يا روحُ

على البيتِ الوَطَنْ؟

وَلِماذا، عَبَثًا،

تُورينَ أزنادَ الفِتَنْ؟

 

 

قالَتِ الرُّوحُ:  

أَنا لا أُعْلِنُ الحربَ

وَلا أُذْكي أُوارا

غيرَ أَنّي

قدْ سَئِمْتُ الطِّينَ دارا

 

 

وَأريدُ، اليومَ، أنْ أَرْسُمَ

حَدًّا فاصلًا

بينَ الثُّرَيّا وَالثَّرى

فَأَنا طيرٌ منَ الأعْلى

وَأنتَ القَفَصُ الأدْنى

الَّذي يَحرِمُني

منْ مُتْعَةِ الغَوْصِ

على دُرِّ الذُّرى

 

 

فَأَجابَ الجسمُ منْ تِلْقائِهِ:

أيّتُها الرُّوحُ

أقلّي اللَّغْوَ وَالهَذْرَ

وَلا تَسْتَصْغِري شأنَ الثَّرى،

وَدَعي تَصْعيرَ خدَّيْكِ لِمَنْ

كانَ، على الأيّامِ، ثَوْبًا دافئًا

يَحْميكِ منْ بَرْدِ الشِّتاءِ الشَّيخِ

أوْ نارِ المِحَنْ

وَاذكُري يا نبضَ قلبي

أنَّ مِنْ ليلِ الثَّرى

تَبزُغ أنوارُ القِرى

 

 

سَمِعَتْهُ الرُّوحُ

فَاهتزَّتْ كَعُصْفورٍ جَريحٍ

أيقظَتْهُ طلقةُ الصَّيّادِ

منْ تغريدِهِ،

وَاستيقظَتْ منْ نشوةِ الفخرِ

وَقالَتْ:

أيُّها الجسمُ الَّذي يَحْمِلُني

منْ يقظةِ النَّبعِ

إلى البحرِ الَّذي أَعشَقُهُ

أنتَ قَميصي.

وَأنا منْ دونِهِ أَعْرى

فَسامحْني على فرطِ غُروري

أنتَ فَجْري وَمَساري وَمَصيري

 

 

وَأنا لا أستطيعُ العيشَ

 من دونِ قَميصٍ

أَمْتَطيهِ، يَمْتَطيني،

وَنَجوبُ الأرضَ وَالدُّنيا مَعًا

حتّى إذا أتعبَهُ

التَّطْوافُ في الأرضِ،

وَأعيَتْ قدمَيْهِ

فِتْنَةُ الدُّنيا

وَأغوَتْهُ قناديلُ كَرًى

راحَ يُلَبّي،

أَمْتَطي جسمًا سِواهُ

قُدَّ مِنْ ماءِ الينابيعِ

وَمِنْ طينِ الثَّرى

كيْ يَحْضُنَ الرُّوحَ الثُّرَيّا

 

 

لا تُؤاخِذْني

صَديقي الجَسَدَ المُهْرَ

الَّذي صَهْوَتُهُ عَرْشي

وَحَسْبي أنّني دُرَّتُهُ الأغْلى

وَأنّا، مُنْذُ كُنّا،

نَمْخُرُ الدُّنيا مَعًا

منْ أَزَلِ الدَّهْرِ

إلى دهرِ الأبَدْ

 

 

سَمِعَ الشّاعرُ صوتَ الرُّوحِ

يَسْري في دروبِ اللَّيلِ

يَمْحو عنْ حَواشيها

كتاباتِ الظَّلامْ

فَغَفا فَوْرًا

وَنامْ

(الإثنين، 13 / 3 / 2017)

***

من مجموعة “أحوال الماء”

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *