خليل ابو رجيلي ، سفيرنا إلى النجوم 

Views: 15

جان سالمه

الانطباع الأول الذي يتكوّن لدينا عند تصفّح الانتاج الأدبي الرائع لخليل ابو رجيلي (ثلاث مجموعات من الشعر الكلاسيكي حتى الآن) ، هو أصالته والعبير الطيب الذي ينتشي به القارئ والذي يضوع في كل مقطع أو بيت من الشعر وعند كل قافية .

خليل ابو رجيلي قبل كل شيء هو انسان متعدّد الامكانات والمواهب: هو قاضٍ أولاً، أديباً ، فرنكوفونياً، وشاعراً في ساعات التجلي .

والمؤلف اللامع يقدم لنا اليوم مجموعة جديدة، كما لو انه مرة بعد اخرى يريد ان يتحفنا بتأليفه الشعري الكامل وبموهبته التي لا تنضب .

انه ينشد اليوم اسفار العهدين القديم والجديد فيحيي في ذاكرتنا صوراً لا تنسى عن السيدة العذراء ، والتجلي، والانبياء أو اخيراً عن الطيّب الذكر البابا جان بول الأول .

ونستمتع بقراءة الكثير الكثير في هذا الكتاب عن آدم وحواء، عن عرس قانا وبرج بابل وعن الله الآب (وسرّ تجسده) في الابن . وهو لا ينسى خصوصاً لبنان العزيز على قلبه فيخصّه بأناشيد عدة .

وخلاصة القول ، سواء كان يتحدث عن سيدة لبنان، أو عن مديغورييه أو عن السامرية ، فكل قصائده تستحق ان تقرأ بتمعّن وتعاد قراءتها. 

 

وخليل ابو رجيلي ينشد غنى وجمال الحياة بقوافٍ غنية وبأسلوب يمتاز بالصفاء والشفافية . ان قلبه طافح بالحب، ولكن أيضاً بالمرارة لأجل لبنان المسكين المعذب الذي اضحى ارضاً للفاسدين وللطغاة فيتوجه اليه بالقول :

“أرى جيشا قادماً يرفع رايتك

يقلب عرش الطغاة ويطهّر الأرض من رجسهم

وليعيد حكم المعرفة والحق والحرية

فلاسلام من دون هذه القيم الثلاث ”  

ثم يتابع باللهجة ذاتها فيقول (عن لبنان) :

” الجحيم والظلمات تسعى لإهلاكه/فيا رب لا تنسى هذا البلد الذي أسميَ عليك “

ماذا يعني الميلاد بالنسبة للشاعر؟ نقرأ بشغف قوله :

“الميلاد هو نداء المحبة 

لجميع الشعوب حتى أقاصي المعمور

أن أحبوا بعضكم بعضاً كأخوة

ما دامت الشمس تشرق والأرض تدور”

” الميلاد هو حلول السماء على أرض

وجسر عبور يمتد بينهما

يمكن عبوره صعوداً ونزولاً

بالصلاة ومحبة الانسان وخدمته ” 

لا يسعني تهنئة د. ابو رجيلي كما يستحق لأعماله الرائعة التي تنقلنا إلى آفاق أدبية جديدة ، انه أولاً وقبل كل شيء لبناني كبير لا يسعه الصمت ازاء الباطل ؛ انه لا يوفر ابدا السياسيين اللبنانيين أو يداريهم ويصرّ على مواجهتهم بحقيقتهم وبكونهم” مفلسين” يجرّون لبنان نحو الهاوية وهو يتحاور مع الله كما لو  كان صديقه القديم .

ان شاعرنا ابو رجيلي يظهر على التوالي أوجهاً متعددة بشخصيتهالواحدة فهو فيلسوف ، متفائل ، عاطفي وخصوصاً انسان حالم . اسلوب فياض ، يأخذك بعيداً في عالمه الخاص ، حيث تجده في إلفة مع الله وقديسيه وملائكته .

انه يضع كل طاقته في عمله الابداعي الذي يحمل الكثير من نفسه وقلبه وجوارحه .

ويطيب لي أخيراً التوقف لحظة عند قصيدة للشاعر بعنوان :

” مملكة يسوع ومريم ” ، وهي برأيي مميزة في المجموعة، لنتذوّق معاً أولى أبياتها:

” لما حان ملء الزمان الذي رسمه الآب 

” أرسل ابنه إلى مريم وهي نائمة

” إذاك فتحت أبواب السماء

” وامتد جسر من نور يصل ارضنا باللانهاية ..

” … وأسرع السيد في موكبه السماوي 

” نحو أمه المستفيضة نعمة وحباً ” 

هذه القصيدة المؤلفة من 124 بيتاً، نظمت بعناية على الوزن الاسكندري (الاثني عشري)، كل ما في القصيدة ينضح بالحب الالهي الخلاصي لهداية أنقياء القلوب إلى الملكوت الموعود ليعرفوا ان الله غير بعيد عنهم وانه
يحب أبناؤه البشر من دون استثناء، ويحاول التواصل معهم بوسائل شتى:
بواسطة الأنبياء والقديسين أو بوسائله الخاصة ليقودهم إلى الإيمان وليقول لهم :
انا الاله الوحيد، اله المحبة والعطف الشفقة ، الذي لن يتوقف ابدا عن محبتكم كأب أو اكثر.

يبدو ان سفيرنا الشاعر يعيش فعلاً تجربة السماء، فهو قريب إلى أهلها كأنه صديق حميم، يسمع ويرى ما يجري بين الله ، يسوع ومريم :

” كوني ملكة السماء والأرض ، يقول الآب

وكوني مستودعاً لكنوز الألوهة اللامتناهية 

هذا الشعر الملحمي الغنائي بالدرجة الأولى، نشيد متناغم وكأنه بسحره من انشاد عرائس البحر الغاويات .

وتنتهي القصيدة بمقطع من 4 أبيات يعكس إيمان وتقوى الشاعر المشبّع بأسمى المشاعر الدينية حيث يتماهى الخالق بالمخلوق (أي وحدة صوفية رائعة) 

” أوليس ملكوت الله فيداخلنا 

” وهكذا بوسع كل منا ان يكون إلهاً صغيراً (مشروع اله) 

” يزرع الحب حوله فتتبع السماء اكثر

” ويغدو وادي الدموع شهر عسل (يتجدد بالمحبة)

والشاعر متمسّك بالشعر الكلاسيكي شبه الهوغولي* ويُعنى باختيار القوافي وبالجرس والايقاع مما يضفي على شعره حلاوة موسيقية ملحوظة .

” الموسيقى ، دائماً ” 

العنوان الذي اعطاه المؤلف لإحدى قصائده تذكرنا بـ Verlaine الذي يجعل الموسيقى في كتابه ” الفن الشعري ” العنصر الأول في الوجود . ففي قصيدته رقم 13 في كتابه ” في الماضي البعيد والقريب ” يسقط الشاعر الفرنسي رؤياه في أول بيت من هذه القصيدة بقوله : ” الموسيقى قبل أي شيء ” وكذلك بالنسبة إلى الشاعر اللبناني الكاتب بالفرنسية ابو رجيلي : يمكننا القول ان الموسيقى تشكل السمة الأولى لمجمل كتابه . بتنوعها وايقاعها أم برخامة ورهافة انغامها التي تفتن القارئ فتأسره وتسكره.

***

(*) نسبةً للشاعر الفرنسي فيكتور هوغو

(*) تعريب الدكتور لويس عطوي عن الفرنسية

(https://emdrprofessionaltraining.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *