“الرَّاهِبَة”…
محمد نعيم بربر
مِنْ بَرِيْدِ الذَّاكِرَةِ… في مثل هذا اليوم من عِيْدِ الأضْحَى المُبَارك:
أُحاولُ قَدْرَ المُستطاع أن أنشرَ على صفحتي من شعري ومن ذكرياتي، كلّ ما يدور في فَلَكِ العلاقات الإنسانيّة الخالدة، وما يُنعش مشاعر الإخاء والمحبة والتسامح بين البشر، بعيدًا عن المآسي والحروب والوباء والظلم بكل أشكاله، ليس تجاهلاً منِّي لها، فقد كتبت في جميع هذه الموضوعات وعبّرت عنها بعين الإنسان المُؤمن الوَاثِق الذي يسعى دائمًا لإشعال بارقة أمل وتفاؤل وحياة كريمة للإنسان بَدَلَ إشعال فتيل حَرْب ومَجَاعة ودَمَار . كنت أحيط كلّ ذلك بإطار من الجمال والفنّ والبيان على طبيعته من خلال حكمة أو موقف أو زهرة أو وردة، أو طائر أو قمر أو نجمة في سماء أو موجة أوغيمة أو نَوْرَسٍ فوق بحر، أو مسكين أو معذّب في الأرض .. ولكنْ في كلّ هذه الحالات لمْ أكنْ أُجَمِّل أو أُجَامِل في مثل هذا التّنوّع من الإبداع والإشراق ..
ومن بَرِيْدِ الذَّاكِرَة، قصيدتي عن “الرَّاهِبَة”، التي نُشِرتْ في مجلة الإذاعة اللُّبنانيَّة، سَنَة 1966.
حَيْثُ لِأوّل مرّةٍ، في تِلْكَ المَرْحَلَةِ من حَيَاتِي، كنتُ أسْتقبلُ مع والدي أبي محمد نعيم بربر، رحمه الله، في بيتنا في بلدة جون (إقليم الخروب ــ قضاء الشوف)، وأتعرَّفُ عن قُرْبٍ على زائرَتَيْنِ كَرِيْمَتَيْنِ من الأخَوَاتِ الرَّاهبَاتِ المُخَلِّصيَّاتِ، وذلك لمناسبة حُلُولِ عِيْدِ الأضْحَى المُبَارَك وتَشْرِيفِهما لدَارِنا، لِتَقْدِيْمِ التَّهَانِي والتَّبْرِيْكَاتِ لنَا في هذا العِيْدِ السَّعيدِ، الذي أضْفَتْ عليه هذه الزِّيَارة نَوعًا من البَهْجَة لمْ أشْعُرْ بِهَا من قَبْلُ، وقدْ تَركتْ في نَفْسِي أثَرًا جَميلاً عَبَّرْتُ عنه بهذه القَصِيدة، وأنا في بِدايَاتِ عَهْدِي بِنَظْمِ الشِّعْرِ :
لَبِسَتْ رِدَاءَ الزُّهْدِ وَهْيَ رَصِيْنَةٌ
وَبِهَا، تَجَلَّتْ آيَــــــــةُ الزُّهَّادِ
وَتَقَمَّصَتْ ثَوْبَ الْعَفَافِ بِرَغْبَةٍ
مِنْهَا، وَعَاشَتْ فِي تُـقىً وَسَدَادِ
نَكَرَتْ لِتَأْدِيَةِ الرِّسَالَةِ ذَاتَهَـــــــا
وَتَقَشَّفَتْ فِي الدَّيْرِ كَالْعُبَّـــــــــادِ
وَسَعَتْ لِتَخْدُمَ فِي الْحَيَاةِ رَضِيَّةً
وَالطُّهْرُ فِي ثَوْبِ التَّقَشُّفِ بَادِ
وَغَدَتْ تُبَشِّرُ فِي الأنَامِ عَزِيْزَةً
وَتَبُثُّ فِيْهِمْ حِكْمَةَ الإرْشـَـــــــادِ
وَتَوَجَّهَتْ نَحْوَ الإلَهِ بِقَلْبِـــــهَـــا
تَبْغِي الْخَلاصَ بِسَاعَةِ الْمِيْعَــــادِ
وَتَوَثَّقَتْ بِالدِّيْنِ تَسْكُبُ رُوْحَهَــا
نُوْراً يُشَعْشِعُ فِي دُجَى الإلْحَــــادِ
إنِّي تَعَلَّمْتُ الْفَضَيْلَةَ وَالتُّقَــــــى
مِنْ حُسْنِ سِيْرَتِهَا مَدَى الآبَـــــادِ
وَنَهَجْتُ فِي سُبُلِ الْعِبَادَةِ وَالْهُدَى
مُسْتَبْشِراً فِي مَنْهَجِي وَرَشَـــادِي