Sisyphe”:le châtiment éternel du Liban” “سيزيف” لبنان والشقاء الأبدي… صرخة وطن

Views: 750

‏Nivrette El Dalati Grégoire

(4-8-2020. Paris)

 

ردا على د.”جان توما” في مقالته الموجهة اليّ عبر: “السؤال المستحيل”،

‏2020-7-28 على صفحته الفيسبوك، وفي مجلة (Aleph-Lam):

تعليقا على تمثال المرأة الحزينة، الذي اخترته لـ:

‏Musée d’Orsay. (Paul Cabet)

 

 

 

قرأت النص د “توما” وهو يتعلق بأزمة وجودية، تتسم بالحزن والتشاؤم. وصرخة وطن، ومواطن. انه الاستغاثة الأخيرة قبل الغرق النهائي.

“السؤال المستحيل”، الذي تطرحه، يندرج في الحقيقة، تحت اطار أسطورة “سيزيف” (الشقاء الأبدي دون هدف)، فيصبح السؤال:

هل قدّر على اللبناني، الشقاء الأبدي دون هدف؟ بأن يبني ويتعب كل العمر، ليأتي من يهدم ويدمر له كل ما بنى، وكأنه لم يفعل أي شيء بحياته.

“السؤال المستحيل”، موجه بشكل غير مباشر الى أشباح المسؤولين، الى القدر، الى كل من بامكانه نجدة الوطن، قبل الزوال النهائي.

صرختك هذه، تشبه لوحة “الصرخة” للرسام النروجي “ادفارد مونش” التي تعبّر عن حالة الهلع، القلق، والخوف عند الانسان المعاصر. وانا لم اخترها الا لأنها اوحت لي فعلا بصرخة وطن. وكأن “ادوارد مونش” لم يبدعها الا كشاهد على خراب لبنان، والحالة التي يتخبط فيها اللبناني التائه، اليائس، وقد اصبحت مراكب الرحيل هي الاتجاه الوحيد الذي ينتظره، فلم يعد عنده من بصيص امل، الا البحث عن عناوين خلف البحار.

لا استغرب ان يأخذ ادبك ملامح لون الوطن الجريح، ويحاكي وجه المرأة الحزينة المتجسدة في هذا التمثال، وكأنه يمثل الحالة اللبنانية اليائسة. وقد اتشحت كتاباتك منذ فترة غير قصيرة، بنسيج من الدموع واليأس (“حقيبة السفر- دمع العين – الكوخ الصغير”).

مقالتك هذه د.”توما”، “السؤال المستحيل” هي موضع تساؤل كل لبناني، يعيش حالة قلق مستمر، منذ سنوات. وهي ليست وليدة اليوم فقط، انما اتت نتيجة تراكم احباطات، من الاوضاع: الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية. باختصار: نتيجة سؤ حكم لبنان.

وطن تديره اشباح لا وجوه لها، وقد زجت الوطن والمواطن في قفص القلق الوجودي، الذي يهدد الذات من الاندثار، واوصلت شعبا بأكمله الى حالة ضياع فوضوي، والى مصير مجهول.

هل كتب على اللبناني ان يعمل تحت ظروف غير طبيعية، ويتحمل حياة العصر الحجري المفروضة عليه، بسبب حفنة من الطامعين؟

هل قدّر عليه ان يكدح كل عمره، ويحرم نفسه من الكثير مما يرغب لحماية نفسه من الأيام السود، ليأتي من هو مفترض ان يحميه ويسرق له جنى عمره وبكل بساطة؟

لم يعد يعرف هذا المواطن المعذّب، لم، وكيف سيعيش! ماذا ينتظر، هل ينتظر؟ والى متى؟

لقد اوصلوا الشعب اللبناني برمته الى حالة “يأس وجودي” فلم يعد امامه الا حمل حقائب الغربة والتشتت في بلاد المجهول.

اذا كان “البير كامو” يعتبر”ان الانسان يكافح للحصول على معنى لحياته” فهل بقي لحياة اللبناني من معنى، بعد ان افقدوه كل هدف لوجوده؟

د.”توما” انت تتحدث عن مصيبة وباء “الكورونا”، فتقول: “سقط العلم في امتحان الوباء. وقد يقوم لتستقيم تكاليف الحياة وهي قد تبدلت وتغيرت. لم يعد العالم هو نفسه الذي نعرفه. راحت ملامحه وتكوّرت معالمه وتجوّفت. صرنا غرباء بعد ان اعدنا الأقنعة الى وجوهنا خوفا واضطرابا.”

الا تعتقد ان الوباء الأخطر، هو من يدير وطنا وشعبا بكامله، لصالحه، ولأطماعه، كدمية بين يديه، دون الاهتمام بحياة مواطنيه؟

وباء،الكورونا! عرفنا كيف نحمي انفسنا منه، وسيجدون له علاجا يوما ما، اما اذا كان مصيرك مرهونا بيد من تسيطر عليهم غريزة الموت والتدمير، ليس الا لمصالحهم، ولتبعيتهم، ولا يمكنك لا علاجهم ولا محاربتهم، الى ان اصبح وباؤهم، سرطانا منتشرا في داخل جسم الوطن وخارجه، وأصبح هو الوباء الحقيقي الذي يفتك بحياتك وحياتهم، فماذا بوسعك ان تقول اذا كان جوهر الانسان وباء؟ غير: ان الوطن كله سقط من وباء اخلاقهم، وجهلهم؟

وتعتبر انه:” ليس سهلا ان تحارب شبحا ينتظرك فيما انت تحاذره. صار العالم يترنح بين الوباء والشفاء، بين بدايات ما رسمته السماء، وبين ما خربه، بطمعهم، اهل الأرض والأبناء”.

شبح الوباء بامكانك تجنبه ، لكن الشبح الذي يحاربك وتعرفه ولا يمكنك القضاء عليه، هو اخطر من شبح المرض.

وبسبب عجزنا عن فهم ما يحصل لنا من كوارث وخراب، نلجأ الى تفسير ذلك على انه غضب من الآلهة. وكأننا ما زلنا نعيش الأساطير والحضارات القديمة، لنبعد عنا الشعور بالذنب، لما اقترفته ايادينا من نزعة الموت والتدمير التي ما زالت تسيطر على الانسان.

“من يشيل هذه المرأة من وجع سؤالها؟”

ان وجع التمثال هذا، ليس الا وجعك. فأنت تتماهى به وتوقظ فيه الحياة ليحكي ألمك ويأسك، وتسقط عليه القلق الذي يتخبط بداخلك، وكأنك تقول: من يخلصنا من وجع حكامنا الذين قضوا على الأخضر واليابس في هذا الوطن؟

وتطمئن نفسك بالاستسلام للأمل، لكي تستمر فيك الحياة:

“لقد تعبت الناس وسئمت من تكاليف الحياة، فهل تعيد الأيام القادمة بالرجاء الفرح المفقود، وبريق الأعين الجامدة والهامدة”

وكأنك تحاور نفسك وتريد ان تؤكد لذاتك، ان الأمل سيعود، وستعود الحياة الى عيون الحكام التي تحولت الى حجر

“جان توما” شاعرنا الحزين، اصبح غريبا في شوارع الزمن العتيق، ضاعت امامه معالم الماضي وراء اقنعة الزمن الغريب.

أنت الذي انتشل “وجوها بحرية” كانت غارقة في اعماق بحر “مينتك”، اصبحت خائفا ان يضيع وجهك في ضباب “السؤال المستحيل”، ويمحو عنوانك خريف غربة مفروضة في آخر السنين، وأنت لست في اوائل العمر لتنسى زواريب الحنين

قل لهم يا د.”توما” انك تخشى الرحيل عبر بحار كنت تستلهم ادبك من عناق مراكبها.

قل لهم انك لبناني ابن ” الشمال الحزيني” كفاك تهميشا، وتركيعا، طوال كل هذي السنين، وانهم لن ينالوا من كرامة وعنفوان مدينتك، حتى ولو رحّلوا كل مراكبها

انت ابن الميناء، تخط كلماتك فوق طاولة عتيقة، وبمسامرة صيادين يرمون شباكهم تحت وشاح الشمس هانئين.

محبرتك في الغربة ستموت عطشا من فرقة الأحباب، ولن تجد وجوها، ولا اسماء تحاكيها.

قل لهم انك  “بقناديل بحرية” اضأت وجوه مدينتك التي كانت غافية في خوابي العتمة، فمن سيضيء وجهك في غربة لا قمر فيها ولا قناديل !

خائف انت يا شاعر الحنين، ان تضيّع عصافير مدينتك عناوينك، وتموت بعدها في سمائك، كل الأناشيد.

قل لهم: اننا نعيش العمر مرة، فلا يقتلوا العمر فينا كل مرة، ليموت “السؤال المستحيل”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *