الاتجاه الصحيح… رأفت الحسيني وبطرس دورة

Views: 666

د. جان توما

هو اتجاه معاكس ولكنه الصحيح. لعلّ ما كان معاكسًا لا يعني في الحقيقة تعارضًا، بل ربّما يقود إلى استقامة الرأي وتأكيد الحقيقة  الإنسانيّة.

رأفت الحسيني كان مديرًا لمدرسة التهذبيية للصبيان في حيّ المسيحيين في الميناء  وهي تاريخيّا أوّل مدرسة عثمانيّة رسمية عام ١٨٩٤، وكان قد سبقه في إدارتها عباس علم الدين (١٩١٥-١٩٩٣) الذي أسس الفروع الجامعيّة للجامعة اللبنانيّة في طرابلس عام ١٩٧٨.

أمّا المعلّم بطرس دورة (١٩٢٦-٢٠٠٨) فكان مديرًا لمدرسة السلام الرسميّة للبنين في حيّ المسلمين في منطقة الرملة.

كان اتجاه “رأفت” و”بطرس” صباحًا في اتجاه معاكس.”رأفت” يأتي إلى مدرسته من حيّ المسلمين عابرًا حدود الطوائف إلى مدرسته في عمق الحيّ المسيحي، أمّا “بطرس” فيعبر هذا الحيّ إلى مدرسته في عمق الحيّ الاسلامي. ثابر الاثنان على خطّ سيرهما في الاتجاه المعاكس في زمني الحرب والسلم ولم يبدّلا تبديلا.

هذا الخطّ العكسي كان هو الخطّ الصحيح الطبيعي الذي لم يحد عنه أهل الميناء ولم يستبدلوه بخطّ آخر. بهذا الاتجاه المعاكس مارس الاثنان التربية والتعليم فأثمر عملهما في نفوس طلابهما، فعُرفت المدرستان باسمهما شعبيًّا، ما دفع مجلس بلدية الميناء، برئاسة عبد القادر علم الدين، إلى السّير في الاتجاه الشعبي الصحيح فاتخذ قرارًا  عام ٢٠٠٩ بإطلاق اسميهما على المدرستين تأكيدًا على أنّ العلم الحيّ يخترق الطوائف والحدود، وأنّ التزام تعميم الثقافة يحفظ المجتمعات ويصون الوحدة ولو كان الاتجاه معاكسًا.

هنا في الميناء ليس من عبور بين حيّ وآخر. هنا وحدة حال لا يتقنها إلّا من تمرّس على التعامل إنسانيّا، وترجمها سوقًا اقتصاديّة يوميّة واحدة، وخروجًا إلى الصيد  البحريّ المشترك، ومعونة جماعيّة لا تفتر همّتها.

لو سار العالم كلّه في الاتجاه المعاكس ستبقى مدينة الميناء بوعي أبنائها مرتاحة على الرصيف البحري المالح الصحيح.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *