جورج أبيض اللبناني… رائد التمثيل و المسرح  في مصر

Views: 507

سليمان بختي

كان جورج أبيض (1880-1959) أول ممثل لبناني يقدم فيلماً غنائياً في مصر (أنشودة الفؤاد،1932) واول نقيب للممثلين في مصر، ومؤسس معهد الفنون المسرحية وبقي يدرس فيه حتى وفاته. هومن الرعيل المسرحي الأول الذي أطلق حركة مسرحية ناهضة، واحتكر في عصره ادواراً لم يجرؤ أحد على أدائها سواه مثل “عطيل ” و” أوديب ” و” لويس”.

ولد جورج الياس أبيض في بيروت عام 1880. اعتاد في طفولته على قراءة اشعار عمر الخيام بطريقة مسرحية. أثناء حفل تخرجه من المدرسة لعب دوراً في مسرحية “القروش الحمراء”. وهنأه جان فريج الممثل الفرنسي الذي كان يلعب الدور نفسه في باريس وشجعه على متابعة دراسته في فرنسا.

كان طموحه السفر إلى الاسكندرية التي هاجر إليها عمه قبلا. قرر الهجرة إلى مصر ولم يتجاوز الثامنة عشرة. كان مفلساً إلا من احلامه الكبيرة. وليس بين يديه سوى دبلوم في التلغراف. تسلل خلسة إلى الباخرة المبحرة إلى مصر ولما ضبطه القبطان راح يقلد الشخصيات أمامه فتركه بعد ان اتفق معه على تقديم اسكتشات مرحة تسري عن الركاب.

 

اهّله الدبلوم الذي يحمله للعمل في محطة سيدي جابر للقطارات في الاسكندرية. اعتاد في الاسكندرية على مرافقة عمه إلى مسرح الشيخ سلامة حجازي. زاره في المحطة راهبان من كلية سان كاترين وطلبا إليه أن يلعب الدور نفسه الذي لعبه في مسرحية “القروش الحمراء”في لبنان. بعد عرض المسرحية هنأه قنصل فرنسا الذي كان بين الحضور، وأضاف: ” مكانك الحقيقي موجود في الكونسرفتوار في باريس”. لبث يعمل مع فرق الهواة في الاسكندرية. وكتب إلى الخديوي عباس أن المسرح هومدرسة في حد ذاته ، وان مصر بحاجة إلى مسرح وإلى معهد للتمثيل. وانتظر الرد لعامين ولم يصله شيء. ولكنه استمر مثابراً في نشاطه المسرحي. ثم خطر له ان يرسل إلى الخديوي بطاقة دعوة لحضور مسرحيته. بعد عدة اسابيع تم استدعائه إلى قصر رأس التين بعد ان تلقى الرسالة التالية: “السيد جورج أبيض ناظر محطة سيدي جابر ، يسعدنا ان نخبرك بأننا قد تنازلنا وقبلنا دعوتك للمسرحية في مسرح زيزينيا في 11 يونيو1904”.

قام جورج أبيض بطباعة تذاكر جديدة واضاف “برعاية جلالة الخديوي”. شاهده الخديوي في مسرحية مترجمة بعنوان “برج تيل ” فأعجب به. بين الفصلين قال له المسؤول الملكي: “الآن يمكنك الاستعداد للسفر”. في 29 يوليو1904 سافر جورج أبيض إلى فرنسا سعياً إلى تحقيق حلمه الكبير ولم يتجاوز الرابعة والعشرين.

استفاد جورج ابيض من إقامته في فرنسا فحضر جلسات صالون سارة برنار وجلسات سيلين وحاز تقديراً عالياً من الكونسرفاتوار. عاد إلى مصر عام 1910 ومعه فرقة فرنسية تحمل اسمه وبدأ بعرض مسرحيات باللغة الفرنسية. وقدمت فرقته أكثر من 130 مسرحية مترجمة أو مؤلفة على مدى عشرين عاماً.

التقى في مصر بأصحاب شركة نحاس فيلم ووقعوا معه عقد بطولة فيلم “أنشودة الفؤاد” وشاركته في البطولة المطربة نادرة والممثلة الفرنسية ليان تورفيل والإخراج من الإيطالي ماريوفولبي. وأمضى الممثلين 3 أشهر في باريس لتسجيل الصوت في ستوديوغومون. وقدم عام 1946 فيلم “أرض النيل” وقد قام بأداء دوره مرة باللهجة المصرية ومرة بالفرنسية. وقدم عام 1938 فيلم “انا الشرق”.

وعرف جورج أبيض بصوته المجلجل على خشبة المسرح ولكن في الحياة العادية كان صوته خفيضاً حتى الهمس. شكل عام 1935 فرقة من الهواة كان بينهم محمد توفيق ودولت حبيب (أبيض) بعد زواجها منه ، وعبد الرحيم الزرقاني. جالت الفرقة في صعيد مصر وقدمت “عاصفة في بيت” و” لويس الحادي عشر” و” تاجر البندقية” و”ترويض النمرة ” و”عدو الشعب ” و”شارل السادس” و”العشرة الأولى” و”الشعلة” و”العرائس” و”صلاح الدين وملكة أورشيلم” و”أبطال المنصورة” و”الحاكم بأمر الله” و”الهواري” و”سفينة نوح” وغيرها من المسرحيات.

سئل ذات مرة إذا ما كان يرغب في مواصلة العمل في السينما فأجاب: “أود العمل في السينما ولكن في بلدنا لا تزال السينما تحبو. وعندما ننتج افلاماً رائعة مثل مسرحياتي سأعمل في كلاهما جنباً إلى جنب. لأنني أعتقد أن المسرح هوالأصل لأنه يخاطب الناس مباشرة”. (مذكرات جورج أبيض)

اختير عام 1935 رئيساً لاتحاد الممثلين ، وفي عام 1943 كان اول نقيب للممثلين في مصر.

حصل على لقب بك عام 1945.

توفي جورج أبيض عام 1959 ودفن في مصر، وترك خلفه عمراً من المسرح وراسخاً في الوجدان والذاكرة (المصرية واللبنانية والعربية) أيقونة لا تمحو لونها الأيام أبداً وصورة لشغف لا يعرف الحدود، وريادة مستحقة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *