انقراض

Views: 694

منى دوغان جمال الدين

بعد غربة دامت عقودا، عادت إلى بلدتها محملة بحقائب امل وهدايا محبة للأحبة. كانت معقودة اللسان طوال سنوات بعد أن هجرها اولادها وتوفي زوجها. لم تكن مصابة بالبكم، كما اعتقد بعض الجيران في بلاد الصقيع النائية. لكن صدمة هجر من غرته الحياة الدنيا سلبت منها الكلمات، وادخلها الفراغ والوحدة في غياهب الأحياء.

كانت دقات قلبها المتسارعة تعدو الجبال والوديان، تكاد تسبق سرعة الضوء، ونظرات الحنين تراقص ذكريات مضت، ذكريات تحبو على جفون رسمتها تجاعيد السنين.

وحينما فاح نسيم جدران منزل اهلها، تطاير الشعر الابيض الذي يغطي رأسها ليعانق زوايا حضنت صورا محفورة في مخيلتها.

عاد البريق الى عينيها بعد أن وئد بسواد لفها طوال سنين، وتسابقت البسمات الدافئة لتغزو جسدا جليديا فقد حرارة الاشواق، طرقت بخفة على الباب وهي تنتظر من سيأخذها بالأحضان. أطلت ابنة في الثلاثين وهي تحدق متسائلة من تكون هذه العجوز المسكينة. سألتها: هل تبغين حاجة؟ وقبل أن تنطق بحرف ناولتها بعض النقود وقالت لها هذا ما جنيته من محصول اليوم.

خطت خطوة ثم فتحت ذراعيها بغية معانقة بنت أختها الصغرى فصدتها بإغلاق الباب وهي تقول: لم نعد نبغي الوصال.

حينها صرخت بأعلى صوتها وهي تقول: جئتكم بحقائب أمل.

ردت الفتاة: انقرض في هذا الوطن.

– وهدايا محبة.

– انقرضت على هذه الأرض.

– والعشرة

– اسألي طواحين الهواء

– والوفاء.

– اسألي حانوت البلدة يدلك على المكان.

حملت حقائب الامل وهدايا المحبة وذهبت لترقد بهناء بقرب من يستحق السلام.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *