هبة النيل

Views: 290

خليل الخوري  

بينما يزداد ويتفاقم الانقسام بين العرب ليبلغ ذروته في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المنطقة، تعود أزمة «سد النهضة» لترتفع حدّةً بين مصر وإثيوبيا، فتبدو القاهرة وحيدةً في مواجهة استلاب حقّها في حصّتها من مياه النيل التي قنصت منها أديس أبابا الكثير من خلال هذا السد الذي لها حقٌ فيه، ولكن بموجب حصّتها وفق القانون الدولي الذي يُحدد توزيع الحقوق المائية-البرّية المشتركة بين الدول ذات الصلة، كما الحقوق الاقتصادية-البحرية.

والمعلومات المستّجدة، وقد أثبتتها الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية، أن إثيوبيا وسّعت في العام الحالي رقعة السد إلى خمسة أضعاف ما كان مقرراً في العام 2019 الماضي. وهذا التوسّع سيأخذ من مياه النيل خمسة أضعاف ما كان مقرراً. وهي كميةٌ لن تعود فتصب في مجرى النهر إنما ستُحوّل إلى داخل إثيوبيا لأغراض الشرب والري وحتى توليد الطاقة الكهربائية المقدّر لها أن تبلغ 30 ألف ميغاواط. وهو رقمٌ قياسي يفوق حاجة هذا البلد الإفريقي بكثير، وقد تستفيد منه لتبيع التيار الكهربائي من بلدانٍ عديدة، خصوصاً في القارة الإفريقية. وذلك على حساب حق مصر في مياهها العذبة من النيل الذي عُرفت باسمه فقيل، منذ القدم، «مصر هبة النيل»، إذ لولا هذا «النهر الخالد» لما تمكّنت أرض الكنانة من النمو.

في أواخر شهر تموز الماضي، أبلغ الرئيس عبد الفتّاح السيسي قادةً عرباً وأفارقةً ودوليين بموقف بلده القائم على «التمسّك بالثوابت (…) خصوصاً بلورة اتفاق قانوني مكتمل الجوانب بين الأطراف المعنية»، رافضاً أي عمل أو إجراء «أحادي الجانب من شأنه المساس بحقوق مصر في مياه النيل».

ربما سيسخر البعض من دعوتنا جامعة الدول العربية إلى موقفٍ تضامني فعّال مع كبيرة بلدان الأمّة. وربما سيسخر أكثر فأكثر إذا استعدنا عبارات من نوع «التضامن العربي»، فيما كلّ طرفٍ فاتح على حسابه! أو إذا أعدنا إلى الذاكرة العربية ملامح من ذلك الزمن الذي وُضعت فيه معاهدة «الدفاع العربي المشترك» (في العام 1950 ووقّعها عن لبنان المغفور له الرئيس رياض الصلح)، وللتذكير فقط لا غير إنعاشاً لذاكرة عربية مغيّبة، نقرأ في الفقرة [أ] من البند الأول من تلك المعاهدة: «إعداد الخطط العسكرية لمواجهة الأخطار المتوقّعة» (لاحظ: ليس فقط الأخطار القائمة بل المتوقّعة أيضاً). وفي الفقرة [و] نقرأ: «التسهيلات والمساعدات المختلفة التي يُطلب إلى كل الدول العربية تقديمها».

يا عرب… مصر احتضنتنا جميعاً ولم تتخلّ عنا في صعوباتنا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *