بائع البوظة في الزمن الجميل

Views: 1221

يوسف طراد

 أطَّل بقامته الطويلة، تتقدمه ذقنه المروّسة الشبه حليقة، فقد أضاع (البولاد) بضع شعيرات لندرة الشعر في الذقن.

يرتدي جلبابًا لونه بين الأبيض والرمادي، منتعلًا (صندلًا) من البلاستيك، حفرت الشمس هيكله على الأرجل من خلال ظل تقاطيعه.

عدَّته (ترمس) أو حافظ البرودة، وهو كناية عن أسطوانة طولها حوالي متر وقطرها حوالي 30 سنتمترًا، يبرز منها على الجانبين تعليقتان متوازيتان من كل جهة، مربوطتان بسير جلد عريض، غطاؤها مستديرٌ ينزل حشرًا حوالي 6 سنتيمتر داخل الأسطوانة عند الإقفال. يتدلى من السير الجلدي سلٌّ صغير يحتوي على مخاريطٍ من البسكويت لتعبئتها للزبائن.

هذا الترمس لا يفارق كتفه الأيسر إلا عند الجلوس وكأنه متمم لهندامه، لانشغال الكتف الأيمن بكيس من الخيش الكبير، لحاجة سنوردها خلال المنشور.

يتهادى صوته المبحوح مناديًا على بضاعته، وهو غير عالم إنه ليس بحاجةٍ للمناداة، فالصغار ينتظرونه كل خميس بعد الظهر، إنه موعد ثابت خلال الصيف اعتبارًا من (شلاهيب العنصرة) إلى عيد مولد العذراء في 8 ايلول.

قليلًا ما كان يتعامل بالعملة لأنها كانت نادرة أو شبه معدومة، الدفع كان من الأواني القديمة الغير صالحة، والأحذية البلاستيكية والقناني الزجاجية لسهولة تدويرها. لذلك كان يوم الأربعاء  عند الصغار، يوم التفتيش في الأودية القريبة وقرب المنازل عن أي شيء، وخصوصًا التنك الذي يضغط بالأرجل.

هناك طفل ذات خميس لاهب، لم يجد ما يشتري به قرن بوظة، فجلس في وادٍ تحت شجرة توت غضة،  قرب منزل عجوز تشطف مصطبتها، وعند الانتهاء من الشطف، تركت شحاطتها البلاستيكية التي كانت تنتعلها عند آخر المصطبة وعادت حافية إلى الداخل.

كانت عملية تسلل ببطء وخفّة، اختطف الطفل الشحيّطة علّها تكون نقدًا نادرًا لشراء البوظة، خبأ فردة منها في عليقة مخفية للأسبوع القادم، واستبق الوقت ذاهبًا باتجاه السليل الذي يسلكه البائع. كان عند الشراء وحيدًا لإخفاء الجريمة، لأن المدفوعات ستنزل دون رجعة في كيس الخيش على الكتف الأيمن ولن تعاود الظهور.

أصبح خبر اختطاف شحيطة (حفيظة) من قبل كلب غريب أسود مدار حديث الساعة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *