بحر
أحمد يوسف
ينامُ البحرُ في مُقلِ الرّمال وأزرقُهُ على كَتفِ الظّلالِ
ولي في شاطىءِ الأيّام مرسى بناهُ الرّيبُ في قنَنِ المُحالِ
وأشرعةٌ يَغارُ الطّيرُ منها ترفّ على التوجّسِ والجَمالِ
تطالُ النّجمَ إذ ترنو ببثٍّ وتطوي الرّاسياتِ على الجبالِ
يسامرُها القديمُ بكلّ قيلٍ ويرميها الجديدُ بكلّ قالِ
وأمواجٌ ينامُ الهمسُ فيها كحالِ الخمر في رئة الدّوالي
أعاقرُ فيئَها والحرُّ يكوي بناتَ الصّيفِ والفِكَر الخوالي
على الصّخَراتِ تغويني فألقي بكفّي في المدى وأعيدُ حالي
يُغالبني السّكوتُ بكلّ جَزرٍ فيرسو المدّ في بِرَك الجِدالِ
وأسألُ والجوابُ يغارُ ممّا رواهُ السّمعُ في أذنِ السّؤالِ
وما تلك الدّيارُ سوى ازدحام على قدَم الغِواية والمنالِ
ولستُ أرى الحياة سوى منامٍ على وَرقِ الحقيقةِ والخيالِ
فهلْ في وردةِ الألوانِ إلّا خطوطُ الوهم تحلمُ بالغِلالِ؟
وهل قطفَ النّهارُ من الليالي بديعَ الظّلّ في قُطَبِ السّلالِ؟
أنا والبحرُ يقتلنا التّجافي ويرمينا على خيم الضّلالِ
لعلّ العقلَ في مَطراتِ وعيٍ يلملمُ بُعدَنا بَعدَ الوِصالِ
ويكتبُ في مُتونِ البحر بحرًا على أغصانه ثمرُ الكمالِ
ويقرأ فوق صدر البيتِ عجْزًا وقافية تشِفّ عن ارتحالِ
يرفّ الصّمتُ في وجعي جَناحًا يؤرّقُ موجتي ويقضُّ بالي
فلم أرَ غير برقٍ شعّ يومًا على طرَف الأصائلِ والزّوالِ
وفي حدَقِ السّرابِ رأيتُ طيفًا أصابَ الضّوءَ في حدَقِ النّبالِ
وما في العالمين سوى غُبارٍ وبعضُ العيشِ من فتنِ الليالِي
