المبدع في ظلّ سلطة الفقر والجوع

Views: 358

وفيق غريزي

قيل منذ القدم، ان المبدع في المجالات الثقافية كافة هو مرآة شعبه وامته، وعبر العمل الابداعي عرفت الاجيال اللاحقة بمستوى الاجيال السابقة الحضارية، ولولا اعمال المبدعين لما عرفت اجيالنا حقيقة اسلافهم وتاريخهم. واذا لم يكن ابداعا في عصرنا الراهن، فلن تعرف الاجيال القادمة شيئا عنا.      

ومن يستقرئ الحضارات القديمة، يعي ان بناتها هم المبدعون وليس القادة السياسيين، فتاريخ الاغريق ينصدره هوميروس  وفيتاغوروس وسقراط وافلاطون وارسطو واسخيلوس وسوفوكليس وبركليس وبندار وسافو وغيرهم. وتاريخ العرب منذ الجاهلية حتى عصر النهضة لم يبق منه في ذاكرة الشعوب سوى الشعراء والفلاسفة والمبدعون، وهذا يجري على مختلف الشعوب والامم.                                        

 ورغم التطور والتقدم فان اوضاع المبدعين الحياتية والمادية والمعنوية في تدهور مستمر، ولاسيما في البلاد العربية عامة ولبنان خاصة. الذي كان منارة حضارية متميزة بين بلدان العالم، الذي صدر الابجدية الى ارجاء العالم.  وفي اعقاب حرب الـ75 التي عصفت بلبنان وانبثاق سلطة المال وطغيانها على الواقع، وازدهار مدينة الحديد والاسمنت، ازدادت حياة المبدعين تأزما، ودفعتهم هذه السلطة الى اسفل دركات السلم الاجتماعي، حيث باتوا يعانون من الفقر والجوع والمرض والتشرد، وإن دل هذا الأمر على شيء فانه يدل على مدى الانهيار الذي اصاب القيم الانسانية والاخلاقية والثقافية والحضارية، فالمجتمع بانظمته السياسية  والاجتماعية حين يدير ظهره لمبدعيه يكون قد خطى خطوات نحو التلاشي والاندثار، فكل السلطات المادية من اقتصادية وسياسية ومالية الى زوال، بينما سلطة الفكر والابداع فهي خالدة اب الدهر. 

وفي الآونة الاخيرة بلغ فساد الطغمة السياسية في تدمير إقتصاد البلاد وسرقة اموال الشعب والوطن، وبلغ فسادها حدا خطيرا عندما فجر مرفأ بيروت وادى هذا الانفجار الكارثة الى قتل العشرات وجرح الالاف وتمير احياء كاملة في العاصمة ولم يرف جفن اي مسؤول لهول الكارثة، وكانت للمبدعين حصة الاسد من هذا الانفجار، ثم اكملوا فصل الجرائم بحرق المرفأ لاخفاء ادلة جريمتهم الاولى ونشر ثقافة الجريمة والفساد.

 فلبنان كي يستعيد دوره الحضاري والثقافي عليه اولا القضاء على هذه الطغمة الفاسدة التي دمرت الانسان والحجر. وثانيا ان يستعيد المبدعون كرامتهم مع سائر المواطنين، وان تتأمن لهم جميعا ما يقيهم بؤس العيش والحياة،  وبهذا العمل يجنب لبنان نفسه لعنة التاريخ..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *