مبدعون في الذاكرة… سهيل ادريس علامة مميزة في حياة لبنان الثقافية

Views: 803

وفيق غريزي

ولد الحداثوي الدكتور سهيل ادريس في بيروت عام ١٩٢٢، حملته بيروت وهنًا على وهن، فلازمها مدى حياته العامرة، لولا قيامه برحلتين ثقافيتين، احداهما الى القاهرة، حيث قصد جامعة الازهر، وهو يبني على عمامة المثقف العربي التقليدي، حداثة في الراي والروءية. عاصرها منذ طفولته. وامامه رواد النهضة العربية الثانية امثال: سلامة موسى – طه حسين – علي عبد الرازق – عباس محمود العقاد وغيرهم. اما الثانية فكانت رحلته الى باريس، حيث امكن للحي اللاتيني ان يأسره ويسحره وجعله يستوعب البعد النفسي الخاص للحي الذي طالما احبه، الخندق الغميق في بيروت. 

كادت تأخذه المشيخة من الحداثة الثقافية، لكنه قاوم وانفتح بلا هوادة، كما فعل في حينه الدكتور حسين مروة، لكن في النجف. 

سهيل ادريس اقام وحده في مركب لبنان الكبير، وفي مراكب العالم العربي، وهو ينشد الحرية بعلمانية موضوعية، توسل لها اشكال التعبير: الصحافي – القصصي – الروائي – النقدي والبحثي في مجالات الاداب وما يتصل به من سياسات نهضوية. 

ولم يقتصر باعه في المجالات الموسوعية، كمشاركته الدكتور جبور عبد النور في وضع معجم المنهل ( فرنسي – عربي )، والدكتور الشيخ الشهيد صبحي الصالح، في وضع معجم المنهل (عربي- عربي) الذي لم يبصر النور.

 انجازاته

ترك لنا الدكتور سهيل ادريس تراثا متنوعا من القصة القصيرة، الى الرواية، بالاضافة الى الابحاث والترجمات. ومن قصصه القصيرة: اقاصيص اولى – اقاصيص ثانية – الدمع المر – رحماك يا دمشق والعراء. ومن رواياته الثلاثية: اصابعنا التي تحترق – الخندق الغميق – والحي اللاتيني.

 وقد اسس الدكتور سهيل ادريس والدكتور منير البعلبكي مجلة الاداب، التي استقل بها وحده، واسس دارا للنشر سنة ١٩٥٢، وكان ناشطا ثقافيا منذ الاربعينيات من القرن الماضي، وحاول بالقلم الدفاع عن قضايا التحرر، وفي السبعينيات شارك في تأسيس اتحاد الكتاب اللبنانيين الذي ضم: الشهيد كمال جنبلاط، مخايل نعيمه، ادونيس، خليل حاوي، احمد ابو سعد، ميشال عاصي، ميشال سليمان، منير البعلبكي وحسين مروة. وفي هذا الاتحاد نحا ادريس منحى الملتزم المنتمي بحرية واستقلال الى امته وثقافته، وكان من اوائل امناء الاتحاد العامين لدورات عدة. 

وفي اطار نشاطه الثقافي قدم للمكتبة العربية العديد من الترجمات عن الفرنسية، واطلع المواطنين العرب على الفكر الوجودي، ولا سيما كتابات الفيلسوفين جان بول سارتر والبير كامو. 

وقال البعض إن ادريس منذ تاسيس مجلة “الاداب” جعلها مع شريكة حياته عايدة مطرجي ادريس تحمل مسؤولية تعريب الفلسفة الوجودية الفرنسية. فكانت بالعربية ترجمة مسرحية الغثيان، سن الرشد، الذباب، وقف التنفيذ وسيرتي الذاتية لسارتر، وروايات اخرى.

محور الصراع

 تمحور الصراع في حياة بطل الثلاثية الذي تدور فكرته حول ثلاثة موضوعات فرضتها ظروف الحياة التي عاش فيها العالم العربي عموما ولبنان خصوصا منذ اوائل القرن العشرين الماضي، وهي: الصراع الوطني، الصراع الحضاري، الصراع الاجتماعي. فمسيرة البطل الاولى بدأت في رواية الخندق الغميق حيث كان خاضعا لاستبداد السلطة البطريركية، لسلطة الاب منقادا لها لا اراديا بشكل كامل، ولكنه خرج من اسرها متمردا كافرا بهذا الخنوع والخضوع، مؤمنا بصوت الحياة يناديه من اعماق الذات حسب قول الشملي، الذي يؤكد أن من يتابع مسيرة بطل الثلاثية يرى انه يعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار، بطل يحلم، يحب ويخيب، يعشق ويخون، فيحلم بالحب الذي يتمناه، يؤمن مرة بالقيم، ويكفر بها مرات. وهو في كل مرة محكوم باعتبارات نفسية واجتماعية وفكرية وحضارية عدة.

 وفي هذا الصدد يقول الدكتور ادريس عن بطله في الثلاثية: “الواقع انني اردت أن اطور معنى البطولة الذي نصرفه عن بعض القيم التقليدية “. إن مفهوم البطولة الحديث ليس كذلك. وحين توصف الشخصية الرئيسة في الرواية بانها بطل الرواية، فالغاية من ذلك تبيان الصراعات التي يقودها هذا الشخص في مجال الحياة. والانسان العادي كثيرا ما يكون بطلا، يكفيه مثلا ان يصارع بعض الشرور والاثام، وان ينجح في معركة اجتماعية يقودها. والعبقرية الروائية تحضر عندما تصبح حقيقة الروائي عينه، وبطل ادريس، يمثل نمطا شبه عام للمثقف الشرقي في دنيا الاغتراب، فالماضي الشرقي، يمثل لديه حيزا واسعا، وهذا يعزز نموذجيته حيث ان المثقف العربي الشرقي يتعرف الى الكثير من سمات شخصية بطل الثلاثية.

 إن الدكتور سهيل ادريس كان وسيبقى علامة مميزة في حياة لبنان الثقافية، في عطاءاته النثرية والشعرية والنقدية وهو شهادة حية للثقافة العربية المتجددة باصالة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *