مِنْ دلالاتِ تَحَوُّلاتِ لُغَةِ النَّصِّ الرِّوائيِّ على فاعِلِيَّةٍ الزَّمانِ المُجْتَمَعِيِّ (الحلقة الثانية) الزَّمان والوجود المجتمعي

Views: 454

 الدكتور وجيه فانوس

(دكتوراه في النَّقد الأدبي/جامعة أكسفورد)

  1. الزمان بين الفاعليَّة والانفعاليَّة

      الزَّمان، كما سبقت الإشارة في الحلقة الأولى من هذه السِّلسلة، بحاجةٍ إلى موضوعٍ؛ ومن سِماتِ الموضوعِ، في هذا المجال، أنَّهُ:

  • يتَّخِذُ من زمانه مجالاً لفاعليته فيما هو حوله أو مرتبطٌ به.
  • يتحوَّل إلى محطَّة لانفعاله بحيويَّة زمانه ومدى ارتباط هذا الزَّمان بالحركة العامَّة لِلكَوْن.

وهنا تبرز أهميتان تكوينيَّتان في العَلاقَة بين الزَّمان وموضوعه:

  • دَمْغُ الموضوعِ لزمانه بسماتٍ تميِّزه عن سواه من الأزمنة التي تحوي موضوعات أخرى.
  • دَمْغُ الزَّمانِ لموضوعهِ بِسِماتٍ تميِّز تشكُّله بهِ عن سواه من التَّشكُّلات.

يمكن، ههنا، استخلاص بضعة مفاهيم تتعلَّق بالموضوع؛وذلك انطلاقاً من مقولات هيدجر؛ ومن أبرز هذه المفاهيم:

  • الموضوع،هو ما يُعطي صفته للزَّمان.
  • الموضوع، هو ما يُوَجِّه ما يَكون فيه من زمان؛ في حركيَّةِ همومه “sorge”، المُنْشَغِلَة باستمرار بالآتي من الأمور، أو ما يمكن أن يُعْرَف بالمُسْتَقْبَل.
مفاهيم للزَّمان – سلفادور دالي (1904-1989)

 

2. أنموذجان لارتباط الزَّمان بموضوعه

      كما يُمكِنُ، في هذا المجال، الحديث عن أنموذجين محدَّدين لارتباطِ الزَّمان بموضوع له:

  • زمانٌ للمكان:

o     يقيس حركة هذا المكان في:

     ذاته

     مع بيئته

     ما يتفاعل معه

     ما ينفعل به

  • زمانٌ للنَّاس:

o     يقيس حركة هؤلاء النَّاس في:

     ذواتهم

     بيئاتهم

     ما يتفاعل معهم

     ما ينفعلون به

بيد أنَّ واقع الحال يُشير إلى أنَّ الأمر، في هذا الأنموذج، لا يُمْكِنُ أنْ يَقِفَ عند حدود هذه التَّجزئيَّةِ “المدرسيَّة” البسيطة؛ فثَمَّة رابطٌ أقوى وأكثَر شمولاً يجمع بين النَّاس والمكان، ويُشَكِّلُ، عبر هذين العنصرين، وحدة وجود موضوعيَّة هي المُجتمع. ومن هنا، فإن الوجود المُجْتَمَعِيّ، بِحَدِّ ذاته، موضوع يحتاج إلى زمن يقع فيه؛ فتتحقَّق عبر هذا الوقوع عمليَّة الفِعلِ والانفعالِ التي تكون للزَّمان في موضوعاته وبها.

إنسان في زمانه المجتمعي – آنا ريشتنكوفا (2020)

 

3.   الوُجودُ المُجْتَمَعِيّ

      يَتَشَكَّل الوجود المُجْتَمَعِيّ، من عدة عوامل وعناصر؛ لَعَلَّ من أهمِّها، ذلك التَّفاعلُ الواقعيُّ الجَدَليُّ الذي ينشأُ بين “الإنسان” و”المكان” الذي هو فيه. فالتَّفاعل يتم، ههنا، من خلال أمرين أساسين:

  • الوجوه التي يتجلَّى بها الإنسانُ، في الحقيقة المكانيَّة التي هو فيها؛ مثل:

o     الذَّات

o     الآخر

o     الفَرد

o     المجموعة

  • الهدفُ المُسْتَقبليُّ الَّذي يعملُ، هذا الإنسانُ، على تحقيقه؛ مِن خلال ما يتشكَّل عَبْرَ سَعْيهِ في:

o     الماضي والحاضر؛ مِن خلال عوامل:

     الوعي

     مجريات الصُّدفَة

     ترابُط ما يتم بين الوَعي والصُّدفة

ويكون هذا تحقيقاً لنتيجةٍ ما، لا بُدَّ من ظهورها في المَسار الحياتي لهذا الإنسان؛ ولا بدَّ، كذلك، من تجلِّيها عبر ما ينتج عن ظهورِها من أمور؛ كما أنَّ لا مندوحة من تأثيرها على ما سيَكون من تشكُّلات لِعَيْشِ هذا الإنسان في المُقْبِل من الزَّمان (1).

مفهوم تشكيلي لزمن مجتمعي – واسيلي كاندنسكي (866-1944)

 

4. خلاصة:

تبرزُ خلاصة هذا الأمر، بِرُمَّتِهِ، في أنَّه إذا كان لا بُدَّ من زمان يُحَقِّقُ فيه هذا الوجود المُجْتَمَعِيّ وجوده، وإذا كان لا مفرَّ لهذا الزَّمان من أن يَكون حقيقةً فاعِلَةً ضمن هذا الوجود المُجْتَمَعِيّ؛ فلقد بات، من الطَّبيعي، والحال كذلك، أن يَكون ثَمَّة زمان مجتمعي، تُقاسُ به حركة المجتمع الذي ينتسبُ إليه، ويؤثِّر، بدوره، في وجود هذه الحركة وفاعليَّتِها. فالزَّمان المُجْتَمَعِيّ ليس سوى فاعليَّة الزَّمان عبر اجتماع النَّاس في مكان محدَّد.

 

(إلى اللقاء في الحلقة المقبلة: [فاعِلِيَّة الزَّمان المُجْتَمَعِيّ])

***

(1) يراجع حول هذا الموضوع، على سبيل المِثال:

  أ. ك. أوليدوف، الوعي الاجتماعي، ترجمة ميشيل كيلو، ط2، بيروت، دار ابن خلدون، 1982.

  Bourdieu, P. &Passeron, J. C., Reproduction In Education, Society And Culture, trans. By Richard Nicc, SAGE Publication Ltd., London and Beverly Hills, 1977.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *