جلجلة التأليف

Views: 19

خليل الخوري 

في معلوماتنا أن الرئيس ميشال عون ثمّن مبادرة الرئيس سعد الحريري واعتبرها خطوة يُؤمل أن تنتهي بتشكيل الحكومة سريعاً. وكما قال صاحب المبادرة، قُبيل مغادرته القصر، فالتوافق واضحٌ بينه وبين رئيس الجمهورية، خصوصاً أن عون متمسّك بالمبادرة الفرنسية ولا يعتبرها انتهت أو فشلت كلياً، وإن اصطدمت بالعراقيل المعروفة. إلا أن هذه العراقيل يُـمكن التغلّب عليها إذا حسُنت النيات لدى الأطراف المعنية.

المثل السائر «إن الجحيم مُبلّط بالنيات الحسنة» لم يكن مرّة مُطابقاً الواقع كما هو اليوم في وقت تطغى النيات السيئة على كل شيء. وتشكيل الحكومة في لبنان لم يعد مجرّد مسارٍ حدّده النص الدستوري. فقد علّمتنا تجربة السنوات الماضية أن درب التأليف أشبه بدرب الجلجلة. فثمّة عقبات كثيرة دائماً، على عكس ما كنا نمارسه قبل تسعينات القرن الماضي. إذ كانت تُـجرى الاستشارات في القصر، وسريعاً ما تنتهي بالتكليف، تعقبها استشارات الرئيس المكلّف في ساحة النجمة، فلا يمرّ يوم أو يومان حتى يلتقي رئيس الجمهورية فتُصدر المراسيم وتُلتقط «الصورة التذكارية» في حضور «عطوفة» رئيس مجلس النواب… ثم تأخذ اللعبة البرلمانية مجراها، فمن يُوالِ يمنحْ الثقة، ومن يُعارضْ يحجبْها. وبين الجانبين هناك من يمتنع عن التصويت وكفى المؤمنين شر القتال، لتنصرف الحكومة الجديدة إلى العمل.

في تلك الحِقبة الذهبية من زمن لبنان الجميل لم يكن «يحق» لأي طرف أن يضع شروطاً… فمن لا يُعجبه يُمكنه أن يصطف مع المعارضة، ولا تزال قُبّة البرلمان تُردد أصداء تلك المناقشات البليغة لتشهد لأمراء المنابر وأساطين القانون وفُقهاء اللغة.

مؤسف أن أجيالنا الجديدة لم تعرف تلك الأيام التي كان لبنان فيها النجم الساطع في سماء المنطقة، لأن إسناد أمور البلد، منذ مطلع التسعينات، إلى الميليشيات، لتتحكّم به، شطح بالوطن الصغير المعذّب بعيداً عن قيمه وقدراته وفرادته، فإذا بنا في هاويةٍ سحيقة القعر. وأما الميليشيات التي خلعت «البزة الكاكية» فبقيت مشيئة الأنانية واللامسؤولية والأحقاد والبغضاء مُتحكّمة في نفوس أربابها الذين كان كلٌ منهم قد اقتطع منطقة وحوّلها إلى مزرعة، فإذا بهم يتعاملون مع الوطن وكأنه هو أيضاً المزرعة.

والأشد أسفاً أنهم لا يزالون ينظرون إلى تشكيل الحكومة بالعقلية ذاتها.

(Xanax)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *