الشاعر القروي: “إن فاخر الناس باعيادهم فعيد ميلادي عيد الجلاء”

Views: 1397

وفيق غريزي

الشاعر القروي من كبار الشعراء المبرزين في المهجر، ولا سيما في اميركا الجنوبية، ولقد تجاوزت شهرته الافاق، لما قدم من قصايد وطنية وقومية تركت اثارها على غالبية الشعب العربي، واثارت حقد وغضب القلة التي شنت عليه حملة عشوائية…

 يعتبر هذا الشاعر جرح الامة جرحه، وبؤسها بؤسه. دوت صرخاته في مسامع الاتراك على اثر المظالم التي اقترفها جمال باشا السفاح ضد الشعب اللبناني خلال الحرب العالمية الاولى، كما دوّت في مسامع الانكليز الذين تحولوا بعد الحرب من حلفاء الى اعداء يتآمرون مع دول الغرب على الشرق العربي، وعلى مسمع فرنسا التي سلخت لواء الاسكندرون عن سوريا وراحت تقصف دمشق بالمدافع وتهاجم جبل العرب، لقمع الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش.

 وها هو القروي يتغنى بوطنه لبنان: “لعينيك يا لبنان انقى تحية يطير بها الاحرار من وطن حر اذوي الى مراك شوقا كانني ازيد بقربي منك حجرا على حجر فيا ليت شعري هل اوافيك في غد قريب ام الايام تمعن في قهري”.

 الولادة والهجرة

ولد الشاعر القروي – رشيد سليم الخوري، في الخامس من نيسان عام ١٨٨٧، واذا اضفنا الفرق بين الحسابين الشرقي والغربي (وهو في القرن قبل الماضي) ١٢ يوما، كان تاريخ ولادته بالضبط في السابع عشر من نيسان، وهو عيد الجلاء في سوريا. وقال في هذا الأمر: “إن فاخر الناس باعيادهم فعيد ميلادي عيد الجلاء”.

 والده سليم حنا الخوري وأمه تقلا اسعد بشاره الرحباني. نزح ابوه وجده من الشوير الى البربارة، واشتغلا بالحدادة. من اخوته قيصر المعروف بالشاعر المدني، وفيكتوريا وفيليب وفؤاد واديب ونديم ودعد. درج في الشهر السابع برشاقة مدهشة.

أول ما تتلمذ على معلمه قيصر وحيد الغرزوزي، ثم تعاقب المعلمون في مدرسة البربارة، وأنس منه آخرهم المعلم ايليا نصار، وكان شاعرنا في العاشرة ومنذ تلك المرحلة انكب على المطالعة في المجلات العلميةً والادبية. ثم انتقل الى مدرسة الفنون الاميركية في صيدا وانهى الاعدادية في الكلية السورية، الانجيلية في بيروت، بعدها انصرف الى التعليم في عدد من المدارس كان آخرها مدرسةً الاميركان في سوق الغرب قرب مدينة عاليه.

في الاول من آب العام ١٩١٣، ابحر هو وشقيقه قيصر وزوجة الاخير الى مدينة مريانا في ولاية ميناس البرازيلية، حيث يقيم عمهما وعائلته. وهناك حمل الكشة وجال في انحاء الولاية لبيع بضاعته، معرضا نفسه لاقسى مشقات الحر والسيول.

وفي العام ١٩١٥، انتقل الى ساوباولو، بترغيب من صديقه المعلم جرجس موسى الخوري، واشتغل لدى وصوله بالتعليم. ثم عمل معتمدا لدى بعض المحلات التجارية. عرف في هذه المدينه عددا من الكتاب والخطباء، ولم يكن سواه شاعرا، فاستقبلته الصحف والجمعيات الادبية.

عاد الشاعر القروي الى لبنان عام ١٩٦٠ ولدى وصوله وقف خاشعا على اطلال بيته في البربارة، وامضى اسبوعا في ضيافة البطريرك بولس المعوشي. وبقي في بلدته حتى وفاته في ٢٧ اب ١٩٨٤، ودفن فيها…

 نضاله الشعري

 لم تعرف العروبة شاعرا مثل الشاعر القروي امينا على عزتها وكرامتها، ثابتا على مبادئها، زاهدا في مالها وحكامها. عام ١٩٤٧ اصدر كراسا يحتوي ثلاث قصايد “اللاميات الثلاث” ورصد ريعه لنصرة فلسطين.

 كان على الشاعر القروي ان يناضل على جبهات ثلاث، ويتلقى بصدره سهام الاباعد دعاة الاستعمار، وسهام الاقارب من مأجوري الاستعمار، وسهام المعارك في سبيل تأمين لقمة العيش. وقد اغنت هذه المعاناة شعره.

 وكان شعر القروي عهد الانتداب الفرنسي، ينسخ باليد وينتشر بين الناس، وفي احدى قصائده يصف مجلس النواب المزور انذاك بالقول: “وطن تحيرت العبـيـد لذلـه/وأذل منـه رئيـسه والمجلـسُ/في كل كرسي تسنّد نائب/متكتّف،أعمى، أصم، أخرسُ”.

في عام١٩٣٦ اصدر القروي ديوان “الاعاصير”…

غزله العذري

عرف الشاعر القروي تجارب حب عديدة، ولكن حبه بقي في اطار العذري، الروحي، بعيدا عن المشاعر الحسية، وقد جسد هذا الحب في العديد من القصايد، حيث اعتبر المحبوبة المثل الاعلى في كل شيء، يقول: “هواك ما خفق الفوءاد وإن أمت فلطالما غازلت طيفك في الكرى فاذا جرت لك في الحوادث دمعة وقعت على يبس الهشيم فازهرا”.

 ان الشاعر القروي كان رمزا لجيل غائبة شمسه، وبقي واحدا من قلة اعتبروا الشعر رمزا من الرموز المقدسة. وحين مات بكته الامة العربية من المحيط الى الخليج، وفقدت به شاعرا من اكبر شعرائها الوطنيين..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *