“مهرجان ريف” من القبيات وعكار إلى مرج بسري

Views: 387

انتقل محبو مهرجان “ريف، أيام بيئية وسينمائية” ومتابعوه، من القبيات وعكار وكل أرجاء لبنان إلى مرج بسري الذي هدده مشروع السد قبل ان يسقط المعترضون تمويله.

بمعية شبان “الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري” وشاباتها، وتحت أشجار الصنوبر، نصب المشاركون خيمهم وشاشتهم الكبيرة في الهواء الطلق. وقرب مواقد النار، أعاد المهرجان لم الشمل وإحياء الجلسات والدواوين، مع احترام تدابير الوقاية من كوفيد-19.

ضاهر

رئيس مجلس البيئة في القبيات مدير المهرجان الدكتور انطوان ضاهر شرح تفاصيل هذه الايام التي خصصها المهرجان لمرج بسري، وقال: “السهرة الأولى كانت مع فيلم فنزويلي وثائقي جميل: One upon a time in Venezuela للمخرج أنابيل رودريغيز، يحكي عن قصة كونغو ميرادور، الضيعة المائية الراسية على بحيرة يتهددها التلوث النفطي الذي ضرب الماء واقتصاد الناس المبني أساسا على الثروة السمكية. ويأتي فساد المؤسسات الحكومية ليزيد من بؤس الضيعة وانسداد آفاق الأمل، إذ نرى الناس يتركون الواحد تلو الآخر مكانهم الجميل الذي عشقوه، راحلين مع البيت العائم على الماء والمقطور بمركب، إلى أفق آخر، من ضمن مشهدية سينمائية جميلة، مؤثرة وحزينة، في الوقت نفسه. وكأن النصر في قصة ماء أخرى، سد بسري حيث عرض الفيلم على انقاض المشروع، جاء ليبلسم جراح أهالي كونغو ميرادور الذين سيفرحون عندما تصل إلى مسامعهم بأن أمثالهم انتصروا في بسري على أمثال مسؤوليهم الفاسدين”.

وأضاف: “اما اليوم التالي، فبدأ برحلة في الطبيعة سيرا من مزرعة الشوف نزولا عبر المعبور الروماني، وهو كناية عن درج روماني في غاية الجمال، إلى حلاوة وادي بسري واعماقه، على وقع شروحات الدليلة والناشطة أماني بعيني. صخور دهرية شاهقة، تنوع طبيعي كبير، تربة خصبة، نهر لا ينضب، جسور قديمة صغيرة وكبيرة، اعمدة هياكل رومانية، أقبية نبتت وترعرعت عليها الاشجار الغارزة جذورها في العمق، فاكهة منوعة، مساحة على مد العين من البساط الاخضر الذي يشجع على طرح السؤال: كيف لهذا الوادي الطبيعي الأثري أن يطمر؟”.

صاغية

ومن المرج إلى الندوة التي نظمتها المفكرة القانونية بمساعدة من مؤسسة Friedrich Bohl بعنوان: “انتصار مرح بسري، ماذا بعد؟”.تكلم المحامي نزار صاغية على “دلالات الانتصار ومعناه”، شارحا المراحل التي “اجتازها قانون البيئة ودراسة الأثر البيئي وإلزامية إعداد دراسة التعويض الايكولوجي”.
ولفت الى ان “عدم وجود هذه الأخيرة في مشروع السد ساهم في تخلي البنك الدولي عن التمويل”.

وركز على “ظاهرة لم نكن معتادين عليها سابقا، وهي الوظيفةالجديدة والأساسية للمدن في الدفاع عن الريف، والتي تبلورت عبر النضال ضد السد، إذ كنا نرى الريف في السابق ينزل الى المدينة ليتظاهر، وليس العكس. وهذا ما أعطى قوة وزخما لمفهوم الريف ولأهمية الطبيعة من المنظور المديني. ومن الدلالات الأخرى أن هناك من انهزم – على رأس اللائحة تأتي سياسة السدود – وهناك من ربح، وبالأخص هذا الشعور عند الناس بأنهم قادرون على التغيير”.

الهبر

ثم تحدثت اختصاصية الموارد الطبيعية الدكتورة ميرنا الهبر التي ذكرت بأن “القيمين على مشروع السد لم يقوموا انتاج السد في مقابل الخسائر في هذا المرج الذي يحوي تراثا طبيعيا كبيرا استجلب تراثا حضاريا هائلا”.

وقدمت وصفا علميا لمرج بسري الذي هو “أكبر مرج في سلسلة جبال لبنان الغربية، ومن ادفأ المروج وبالتالي أصلحها للزراعة، كونه متواجد في النصف الجنوبي من لبنان، وهو ذو تربة فائقة الخصوبة الناتجة من كونه خزانا لملايين السنين من الانجرافات، وهو يسمح بالزراعات الجبلية، التفاح مثلا، وفي الوقت نفسه بالزراعات الساحلية (الحمضيات)، مع انتاج 3 مواسم في السنة، ما يعطيه تلك الأهمية الزراعية القصوى”.

وركزت على أن “نباتات هذا الوادي تتعامل منذ ملايين السنين مع مياه نهر جار وأن استبدال النهر بمياه الخزان الراكدة سيتسبب بخسارات هائلة للنباتات”.

عبد الصمد

المعماري والمخطط الحضري وابن وادي بسري الدكتور بشار عبد الصمد تطرق إلى افكار واقتراحات عن مستقبل المرج، مبديا تخوفه من “التعامل بإهمال مع هذا المرح وأن يتحول الوادي إلى منطقة سائبة يختلط فيها وضع اليد مع شفط الرمول والصيد العشوائي والرعي الجائر وتلوث الصرف الصحي وارتفاع شهية الريع العقاري”.

ولفت الى اننا “دخلنا مرحلة انتقالية طويلة، مع العلم أن مشروع السد، وإن توقف حاليا، فهو لم ينته”.

وتوقف عند اقتراح “تحويل المرج إلى محمية طبيعية مغلقة مع ما يترتب عن ذلك من اعتراضات من السكان والمزارعين الذين ستنقطع علاقتهم بالأرض”، وقال: “إذا ما رفضنا فكرة المحمية الطبيعية فلا بد من أن تنخرط كل المنطقة ببلدياتها وجمعياتها وقواها الحية في العمل على مسودات تشريعية تخص قوانين حماية الجبال والأنهر والوديان والغابات، ووضع هذه المنطقة قيد الدرس ربطا بمشروع ترتيب الأراضي واستخدامها، والعمل على اعتبار هذه المنطقة وحدة ايكولوجية طبيعية متماسكة ضمن مفهوم حوض مرج بسري”.

وتخلل اللقاء حلقة نقاش، ثم عرض فيلم “المرج” للمخرج محمد صباح الذي تطرق الى “معاناة المزارعين وسكان المرج وعلاقتهم العاطفية والأساسية مع هذه المساحة الحيوية إن على الصعيد الاقتصادي او الانساني أو على صعيد الانتماء إلى المكان، وقلقهم الكبير من أن تتوقف حياتهم مع السد المدمر، ولا سيما اننا كنا قد سمعنا كثيرا عن مطالعات علمية ضد السد، والفيلم يذكِّرنا ببعض منها، لكنها المرة الأولى التي نرى فيها الضوء ملقى على الناس العاديين أصحاب الحقوق والتاريخ المتوارث من علاقة عضوية مع الوادي”.

وبعد العرض والنقاش مع المخرج، استكمل “ريف” سهرته بين حلقات رقص هنا وأخرى لعازف الغيتار بيار يغني الحنين إلى الأرض، ولقاءات تعارف وتذوق لمنقوشة عناية ذبيان وصاجها الذي لا يهدأ.

“متنفس طبيعي للمهرجان”

وعن برنامج اليوم الثالث يقول ضاهر: “كان الانطلاق سيرا بموازاة النهر للإطلاع على التلوث الذي بدأ يهدد النهر وحوضه، وزيارة معالم الوادي الأثرية مثل كنيسة مار موسى الجميلة، والتي أفرغت من محتوياتها بهدف نقلها إلى مكان آخر قبل أن يدهمها الطمر، وأيضا موقع دير القديسة صوفيا الذي انهار حائط منه جراء أعمال مشبوهة بهدف هدم ما تبقى منه وان يطمره السد من دون أن يسأل عنه أحد. لكن ردة فعل الأهالي والمهتمين أجبرت مديرية الآثار على تدعيم القبب المتبقية”.

وشدد على ان “تلك الأيام البيئية والسينمائية الثلاثة في مرج بسري الجميل، شكلت متنفسا طبيعيا أساسيا لمهرجان “ريف” الذي التجأ مرغما، وبسبب ظروف كورونا، إلى الاونلاين، والذي ما زال ينتظر تراجع الوباء ليعود الى فعالياته الحيوية النشطة في الهواء الطلق”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *