قراءة في قصيدة “للحزن عيون جميلة” لسميّة تكجي

Views: 565

 أنطوان يزبك

 

للحزن

عيون جميلة

رأيتها تختال 

في حقول  البرتقال

عند الغروب

أحسست بريقها

 في أنفاسي

عندما امتلأ الكون

نهرا      

 غرقت فيه

ثم  صعدت

لم أدر من قبل

أنني أجيد العوم…

أحببتها جدا

عندما جالست نفسي

حاورتها 

لم أكن أدري أنني

أجيد الصفح  كثيرا

 أنني على متن حلم

وسوف أسمع

كل الأغاني القديمة

وألامس من جديد

دفء كل عناق

أمسك بي ذات هبوط

سوف أشاهد مرة أخرى

 كل الأفلام

التي جعلتني أخرج

خارج مساحات الواقع

وأكون أنا ثم أنا ثم أنا

ألف مرة

وأضحك ضحكة مجلجلة

سأعود وأغوص حتى

آخر الألم

أنا هنا

أنصت جيدا

إنها صفارة

تعلن بداية  الجولة …!!!

                 سميّة تكجي

 

كمثل ابتسامة عائدة من بستان عامر بكل أنواع الفاكهة الشهيّة عند تقاطع الذكريات وحلاوة المذاق العذب لأجمل لحظات البقاء عند المغيب؛ تسوق إليّ الكاتبة الصحافية كلود أبو شقرا صنوفًا من الكتابات والنصوص والأشعار التي فيها رحلات سندبادية وفتوحات واستكشافات من عيار رحلة “ماجلان” حول العالم ورواية جول فيرن “حول العالم في ثمانين يومًا”، هذا ما قدمته لي هذه المرة حتى أسأل:

هل سبق لكم أن تأملتم في بلّورة في وضح النهار؟ أم حاولتم استراق النظر إلى شعاع شمسي حمّال ألوان وناقل مباهج سحريّة عند تكسّر انقشاعات الغيم؟ هذا هو الشعور الذي يصيبكم حين تقرأون قصيدة لـ “سمية تكجي” 

“للحزن

عيون جميلة”

حيث الوجود يتكلل في احتفالية من حشد للمشاعر واللون والأحاسيس المتنوّعة، من كلّ ما ينتاب الإنسان وفي كل تجربة من تجارب حياته. إنها رقصة احتفالية، تذكّر بتلك الرقصات التي كانت تؤديها عذارى الهياكل الوثنية في ماضٍ سحيق، حيث كان الزمن يقف مكانه لا يتحرّك بين وحي الكائنات ونبض الألوهة، الذي أدركه الإنسان الأول وعليه نسج أساطيره وبنى معتقداته وشكّل أول محاولة ليفهم أسباب الحزن ومعالم الشجن في روعه فكانت الطقوس المتنوعة ورقصات النار في المعابد الحجرية…

“سمية” أدركت طقوسها حين وجدت أن للحزن عيونًا جميلة، سرّحت أبصارها في حقول البرتقال، تلك الحقول الممتدة جنوبًا إلى العمق إلى أبعد نقطة في الوطن العربي المعذّب وصولا إلى حقول برتقال يافا، تلك المدينة التي نسمع عنها ونحلم أن نزورها يومًا، علّنا نحظى برؤية عيون صباياها البارقة كسنونوات تحلّق فوق بساتين البرتقال، في رحلة أسطورية ترسم بيادر الحب وتوصل حدود الأرض بالشفق المترامي إلى البعيد…

يقول “إميل سيوران”: “إذا حزنت مرة دونما سبب، فثق أنّك كنت حزينًا طيلة حياتك دون أن تعرف”.

وعلى ما يبدو أنّ سميّة تكجي، لم تقتنع بمقولة “سيوران” إذ هي شاءت أن تحارب هذا الحزن، لا بل ارتأت أن تضع له “عيونًا جميلة”، وهذا النهر، هذا الطوفان الكبير تجد سبيلها، إلى الصعود والارتفاع منه والولادة الجديدة من الماء، بعدما احتواها وحجرها وكأنها تحت سلطته وطغيانه…

وحين تقول:

لم أكن أدري أنني

أجيد الصفح كثيرًا

أنني على متن حلم…

يعني أنها لم تكن تعرف أبعاد ذاتها البشرية، إلا حين اختارت الصفح. والصفح من شيم النبلاء ونبل الأخلاق وحسن الاختيار أمام الواقعات الكبرى والمصائب والملمات والإساءات والتصرفات الأكثر حدّة والأذى والخروج البشري إلى بادية الوحوش والضياغم الأكثر فتكًا وبعدًا عن الإنسان وداخله الذي يعمد إلى محو كل ما كان شرسًا وبدائيًا فيه!..

ما من شيء يعوّض ما فات من الحياة ولا من يرمّم كسر القلوب، ولكن هي الحياة ترمّم ذاتها بذاتها، هناك وعود بسهرات حميمة، هناك عناق، هناك احتفالية بالآتي، أمور وأحداث جميلة ستحصل من دون شك، أنغام وأفلام تعيد إلى الحيّز الآني رومنسيّات ومشاعر حبلت بها الذكريات وأنجبت في الحاضر؛ ماضي الأيام السعيدة، تلك الأيام التي لا تني تستولد ذاتها من ذاتها ولكنّها في كل مرّة جديدة، يكون لها مذاق آخر، وعذوبة فائضة وحنين غير مسبوق كما المتعة واللذة والخصوبة والاكتشاف، كما التحفز لكتابة قصيدة جديدة.

إنه الحلم المتواصل كما قال ذات مرة إدغار آلان بو في قصيدة “حلم”:

“آه هل هناك إلا الحلم في النهار لمن صوّبت

عيناه إلى ما حولهما ضياء موجهًا إلى الماضي”.

“إن هذا الحلم المبارك، يوم العالم كله غاضب،

أغبطني كشعاع عزيز يوجه أملا مستوحشًا…

هل كل ما نرى وما يتراءى لنا ليس إلا حلمًا من حلم”.

حلم سمية هو قصيدة يانعة تخرج من الظلمات إلى النور كاسرة وحشة العتمة، معلنة الأمل الذي يعد بأفراح مقبلة على الرغم من كل النكسات. وحدها الأنثى تعرف كيف تحيي الأمل وتمنح الحياة، شكرًا سمية إذ تجيد مهارة تحويل الظل إلى عرس أنوار وانقشاع…

17/ 11/ 2020

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *