الرواية العربية والانفتاح على التّجربة العالمية

Views: 940

مصر_ هدى حجاجي أحمد

 الرّواية والقصّة العربية عرفتا تطوّرا كبيرا، خاصة في بداية القرن الجديد وأواخر القرن الفائت، لانفتاحها على الرواية الغربية خصوصا والعالميّة عموما. فقد استفادت من تلك التّجارب في مستوى تنوّعها (الرّواية النفسية، الاجتماعية، العاطفية، الذهنية…)، أو في مستوى فنّياتها من جهة السّرد وطرق تنظيمه، والرّاوي ومواقع ظهوره، وكيفية هندسة المكان والزّمان وبناء الشخصيات…

 لقد قدّم الرّوائيون والقصّاصون العرب أعمالا لا تقلّ قيمة عن نظائرها في الأدب الغربي. ويكفي أن نذكّر بأعمال عبد الرحمن منيف والطيّب صالح وحنّا مينا وغيرهم كثير.

 لم تختف الرّمزية التراثية من السّرد العربي المعاصر. فتقاليد الحكي على امتداد قرون ومنذ القصة المثلية في كليلة ودمنة، ونوادر ” البخلاء” ومقامات الهمذاني وطوق الحمامة لابن حزم وحكايات ألف ليلة وليلة وما تبع ذلك…

ظلّت أصول الحكي حاضرة وإن سعى أصحابها في العصر الحديث إلى تطويرها بما يتناسب وإنجازات الحداثة.

 أنا ضدّ القطع مع تقاليد القص العربية التّقليدية، بل أراها أطرا ومرجعيات مهمّة يمكن بعثها وبث الحياة فيها وهي غنية بالرّموز والإيحاءات التي بمقدورها أن تعبّر عن روح العصر. ويمكن هنا أن أستشهد بأعمال الأديب التونسي محمود المسعدي في رواية “حدّث أبو هريرة قال…”، حيث تمثّل هذه الرّواية أنموذجا على كيفية تطوير الشكل السردي القديم. والرواية كانت دليلا على غنى التّراث وكثافة قصصيته. وفي الوقت نفسه يجب أن لا نرهب من فزّاعة المسّ بالهويّة والخصوصية عند الحديث عن الانفتاح على التّجربة العالمية وتوظيف الروائيين العرب لشخصيات عالمية، فليس في ذلك تهديد للثقافة العربية، ففكرة عالمية الأدب تظلّ من القيم الثابتة في عالم الإبداع.

 لا شكّ في أنّ بيئة التّلقّي موصوفة بالتّشظّي والتّفكّك القيمي، وليس هذا مردّه انفتاح القص العربي على الغربي. بل هو مرتبط أصلا بحالة التّخلّف الشّامل للبلاد العربيّة وعجزها عن تحقيق النّهضة المرجوّة. والتّلقّي هو وجه من وجوه الأزمة. فإذا توفّرت شروط تهذيبه تطوّر تلقائيّا.

 وللرواية والقصة العربية مهمّة لعب هذا الدّور من خلال تقديم أعمال من شأنها أن تؤثّر في المتلقي العربيّ وتفعل فيه إيجابيّا.

 من المؤكّد والضّروري جدّا أن ينفتح السّرد العربيّ على نظيره في العالم. فالعالم اليوم قرية وفكرة الانفتاح صارت اضطرارا لا اختيارا في الأدب وفي غير الأدب، ولكن مع الحرص دائما على التّمسّك بالخصوصية الثقافية التي تميّز حضارتنا العربية الاسلامية.

يعرف حقل النّقد السّرديّ العربيّ هزالا وضعفا، على عكس المنجز الروائي. فالأعمال الرّوائيّة العربية سبقت بكثير حقل النقد العربيّ الذي مازال يعاني من عديد الوجوه. فهو من ناحية غير قادر على الابتكار والإبداع ويقنع بالاتباع والتقليد فهو عالة على النقد الغربيّ، وهو من ناحية أخرى غير قادر على التخلّص من الإيديولوجيا، سواء عند التنظير أو عند ممارسة فعل القراءة والتحليل لعمل إبداعيّ ما. نضيف إلى ذلك عدم حصول النّاقد العربيّ على التكوين اللازم لممارسة هذا العمل، وقفز كلّ من هبّ ودبّ إلى عالم النقد ورغبة الغالبية العظمى في طلب الشهرة والمال. ولهذه الأسباب لم يستطع النقد العربي الرّقيّ بنفسه.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *