مئوية ولادة فؤاد كنعان…الرائد والقاص الساخر والجمالي والمتمرّد

Views: 251

سليمان بختي

    هذه السنة هي مئوية ولادة مبدع كبير من لبنان. رائد من رواد القصة اللبنانية. القاص  والاديب فؤاد كنعان (1920 – 2001 ). فنان الكلمة الذي حمل في قلبه ثورة على كل شيء على كل غلط. غير انه احتفظ في زاوية قلبه نهرا عذبا من الحنين والرومنطيقية والتذكر واستعادة الزمن الهارب والمكان المفقود.  

    ولد في رشميا (جبل لبنان) سنة 1920 تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة يوحنا للرهبان وتابعها في مدرسة الحكمة بيروت. التحق بمعهد الحقوق الفرنسي سنة 1939 مزاولا في الوقت عينه تعلم العربية في مدرسة الحكمة والاشراف على مجلة الحكمة (1951-1958 ) ومتابعة مواهب الذين راهن على نفسهم التغييري في الادب امثال : شوقي ابي شقرا ويوسف حبشي الاشقر وجميل جبر وجورج شامي وغيرهم. 

 

انضوى الى سلك الوظيفة العامة سنة 1942 واحيل على التقاعد سنة 1984 متفرغا لانجاز كتاباته ونشرها.

له في القصص:” قرف” (1947و1977)” اولا واخرا وبين بين” (1974-1987) “على انهار بابل” (1987) “كأن لم يكن” (1992) “مديرية كان واخواتها”.

له في الترجمة: “اوجيني غرانده” لبلزاك(1960). و”لبنان في شخصيته وحضوره” لميشال شيحا (1962) . وكان مهفهفا في ترجمته وداعيا صادقا متانقا الى الوليمة.

حاز جائزة مجمع الحكمة العلمي 1995 وجائزة لبنان للابداع 1998 .

 

كتب القصة ولم يبلغ من العمر 15 سنة في جريدة “الرابطة ” (سليم ابو جمرة) وفي مجلة “المكشوف”. و كانت له زاوية في جريدة “لسان الحال” بعنوان” على راس اللسان” وتوقيع لسان ، وزاوية اخرى في جريدة “الاتحاد” بعنوان “حبر على ورق”.

ترك فؤاد كنعان  في مجمل اعماله بصمة عميقة على القصة بنية ولغة ومعالجة. وتميز باسلوبه الواقعي النابض باللون والسخرية اللاذعة السوداء. لم يتخفَّ وراء كلماته  بل كان جريئا صريحا صادما يضرب بقوة حيث يجب ولا يهادن. انت امام قصصه تضحك تتاثر تغضب تثور. كان هذا ما يريده فعلا فؤاد كنعان حقا. ادرك منذ البداية ان ثمة خللا في المكان ثمة زيف ورياء وتناقض. حاول ان يشفي غليله بالنقد بالسخط.  قال في كتابه “مديرية كان واخواتها”:” هذه ليست جمهورية يا ريكاردو هذه معرسة في الهواء الطلق.” وفي كتابه “قرف ” يقول في قصصه الاشياء  بسخرية ناعمة وقرف طيب وطراوة لمسات. قصصه كانت يومذاك منعطفا لافتا في قصص تلك الفترة. قدم مارون عبود كتابه “قرف” وقال في مقدمته:” واما رايي في هذه الاقاصيص فألخصه بقولي: لو لم تعجبني لم اعد طوري واقدم لها. وحسبك هذا برهان على طيبتها. اما رايي المبسط فتقراه ، ان عشنا، بعد ظهورها وزيارتها مختبري. وداعا الان”. صوته النازل من رشميا “راس المي” وكفرقطرا وديرالقمر. في رشميا “حيث عرائش تعربش  ومساكب خزامى و حبق وفل ومواعين ومحادل، واطباق مونة تسبح في الشمس، وبحمد الشمس تسبح”.

 

سال فؤاد كنعان اسئلة جريئة في كتاباته. الخطيئة، يعني ماذا؟ ما السياسة؟غش و زيف. ما الدين؟ ما الجنس؟ “يا ولد، يا ازعر، يا لذيذ” لا محرمات لديه ولا خطوط حمراء.  في كتابه “على انهار بابل ” هناك مناخات مختلفة متوهجة. وانت امامها تبتسم، تضحك،تقهقه، وتدمع ولا تعرف لماذا تدمع… من عبثية الحياةومعانقة العدم. ينهي فؤاد كنعان كتابه “على انهار بابل” بهذه الجملة :” وحيث الزمان المفقود ، والمكان المفقود، مزويان في زاوية دافئة في قلبه الشتوي”.

    كان فؤاد كنعان يعرف ان هناك من ادخل البلاد والعباد في دوامة لن يخرج منها الا محطما محبطا معنفا. وكان على قلق وجودي مفاده ان في الامر غير ما نرى وغير ما يصل الينا. في كتابه ” كأن لم يكن” يمتزج الحنين والعذوبة والاسى والموقف في زورق واحد. في قصة من دفتر الحزن ينهي ” وها نحن الان نتساءل :هل يستأهل العمر بعد، ان نبني بيتا، او نرمم بيتا؟…ام نحن بشر لا نستأهل العيش في بيوت”؟  في كتابه “مديرية كان واخواتها” كتب الناشرعلى الغلاف هذه العبارة” والى جانب عدميته تقف عبثيته واسلوبه الساخر فيبحث بكل زوايا الحياة معترضا ومتعرضا لكل القيم والاعراف والعلوم والقوانين مهرجا دامعا في سيرك الوجود. يعزف منفردا والنغم بعض اوتار القلب”.

 

 فؤاد كنعان كاتب كبير شجاع متمرد مبدع. من الكبار. متفننا   في صياغة الكلام جدا وظرفا. لم يعاد طبع اعماله . لم يطلق اسمه على شارع او جائزة. وفؤاد كنعان لم ينتظر شيئا اوامرا من احد لا في حياته ولا في  وفاته ولا في مئويته. كان يعرفهم جيدا. يعرفهم واحدا واحدا. (Felbatol) لا ازال اذكر كلمته عائدا الى بيته في الاشرفية وكنت الى جانبه في السيارة حين قال:” هذه بلاد انتهت قبل ان تبدا”. تحية الى روحه المبدعة في مئوية ولادته.

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. سليمان في الدراسة المعبرة انت سيد الكلام،ذلك الكلام الذي لا يباهي بل يثقف ويعلم الذين لم يعرفوا لبنان الثقافة في القرن الماضي قبيل اندلاع الحرب الأهلية.من جديد سليمان بختي رائد في تأريخ الحركة الثقافية اللبنانية عموماً والبيروتية خصوصا معيدا إليها بريقها الذي بدأ يأفل مع نضوب الوعي وحلول البربرية في عصر ما بعد العقل.. تحياتي