جورج شامي… رحيل ذاكرة الصحافة

Views: 429

أنطوان يزبك

 

استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح (أفسس 14:5 )

 

ماذا أقول في رجل رافقته لعقدين تقريبا، في فترة شاء فيها استعادة تاريخ الصحافة منذ عهدها الذهبي في القرن العشرين وحتى افولها في أيامنا الحالية!

دأب جورج شامي على تدوين كل ما عرفه وخبره ، كل ما عاشه من مآس ولحظات انتصار وعز وافتخار، فالحياة مد وجزر فيها الصبوات والكبوات ، فيها الفرح وفيها الحزن، فيها الضحكات المدوية كما البكاء والقهر والحرقات المريرة، بيد أن جورج شامي لم يندم مرة على شيئ، لا بل يفتخر بكل حرف كتبه وكل عمل صنعه.

قال  له ذات يوم أحد الصحافيين: أنت رجل بعدة رؤوس قاصدا السخرية والتعيير، جاهلا فعلا ان جورج شامي في حقيقته إنسان فريد ونادر،  متعدد المواهب ومتعدد الأفكار والمهارات والقدرات وله ذاكرة نادرة وجبارة لا أستطيع أن اصفها واحتاج إلى عمر آخر لأتحدث عن محتواها، ولكل من عرف هذا الرجل قصة معينة معه يستطيع أن يسردها في كتاب تربو صفحاته على المئات، ومع ذلك لا يستطيع أن يفيه حقه تماما.

عادة حين نفقد عزيزا يبدأ مشوار الذاكرة يمر مثل شريط سينمائي أمام عيوننا، لكن مع جورج شامي تقف مذهولا وتتعدد الصور والمشاهد، وتتفجر براكين من حمم الأفكار والذكريات الممزوجة بالتهيب والدموع وحالة عميقة من الحزن الشديد من كل شيء وعلى كل شيء، حالة من انقباض القلب ونشاف الحلق والشرايين، والغضب من هذا الوجود العبثي الذي يعاقب الإنسان على هذه الصورة!

ذات يوم كنا سوية في واحدة من جلساتنا الطويلة الواحدة بعد الألف، نظر الي جورج شامي نظرة الأبوة الفخورة  والمحبة الخالصة والإحاطة إذ كان دائما يعاملني بمودة فائقة وقال لي: يوم أموت ماذا ستقول عني، وكيف ستصفني ، وماذا ستخبر عني الناس؟

فقلت له : بعيد الشر شو هالحديث ، ذكرتني ب امارنثيا بطلة رواية غابرييل غارسيا ماركيز؛ مائة عام من العزلة، التي كانت تخيط كفنها، فضحك وأصر إصرارا شديدا، وعند هذا الحد حين وجدت أنه مصر بشدة اطرقت وقلت له:

أنت الرجل الوحيد الذي ابتسم لي، وحدك من بين كل من عرفت في حياتي!

فابتسم لي ابتسامة مشرقة لن أنساها ما حييت. ابتسامة محبة وتقدير، ابتسامة معلم لتلميذه النجيب، وأملي أن تستمر هذه الابتسامة في الحياة الأخرى، في مكانك السعيد الطوباوي متنعما بالخير والحق والجمال ،مغتبطا بكل جماليات وكماليات العقل مصدر كل شرع وكل حقيقة!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *